آية التبليغ
آية التبليغ، هي الآية (67) من سورة المائدة، وهي من الآيات الأخيرة في القرآن الكريم التي نزلت على النبيصلی الله عليه وآله وسلم، حيث أمره الله تعالى أن يُبلغ الناس أمراً هاماً من حكم الله، وفي حالة عدم إبلاغه ذلك فكأنه لم يُبلغ من رسالته شيئاً.
بحسب المصادر الشيعة وعند بعض مفسري السنة، أن الآية نزلت في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 10 للهجرة، أي آخر سنة من حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، عند عودته من حَجّة الوداع، وبالتحديد في منطقة فيها غدير يقال له «غدير خُم» والتي تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. كما تُعتبر هذه الآية عند الشيعة مِن أبرز الآيات التي يُستدل بها على خلافة وإمامة الإمام علي بن أبي طالب من بعد رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم.
نص الآية
قال تعالى في سورة المائدة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
مفاد الآية
- إن هذه الآية تتوجّه بالخطاب إلى رسول اللّهصلی الله عليه وآله وسلم وحده، وتبيّن له واجبه، فهي تبدأ بمخاطبته بـ «الرَسُول».
- خاطب الله تعالى نبيهصلی الله عليه وآله وسلم بـ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ» للإشارة إلى أن ليس له من أمره شيء في كتمانه وتأخير تبليغه. كما خاطبه بـ«رسالته» من قوله: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) للإشارة إلى أنها أنسب الصفات لمِا يتضمنه الأمر بالتبليغ لحكم الله، فالرسول لا شأن له إلا تبليغ ما حُمّل من الرسالة، فتحمُّل الرسالة يفرض عليه القيام بالتبليغ.
- عبارة (بلّغ) أكثر توكيداً من (أبلغ)، وهذا يكشف عن ضرورة تبليغ أمر مهم جداً، بحيث أن عدم تبليغه يعتبر عدم تبليغ للرسالة كلها.
- شأن نزول الآية، يُثبت نزولها في أواخر حياة النبيصلی الله عليه وآله وسلموليس في أول بعثته، بل دلّت روايات أسباب نزولها هو في حج الوداع، قبل نزول آية الإكمال.
- ليس هناك مسألة تستطيع أن تحمل كل هذه الصفات غير مسألة استخلاف النبيصلی الله عليه وآله وسلم، وتعيين مصير مستقبل الإسلام؛ لوجود معارضون أشداء لهذا الأمر، إلى درجة أن الرّسولصلی الله عليه وآله وسلم كان قلقاً من أن تلك المعارضة قد تثير بعض المشاكل بوجه الإسلام والمسلمين، ولهذا يُطمئِنه اللّه تعالى من هذه الناحية.
- إن قلق الرسولصلی الله عليه وآله وسلم لم يكن خوفاً على شخصه وحياته، فقد مرّ بظروف أكثر خطورة كتبليغ التوحيد، ونفي الوثنية إلى كفار قريش ومشركي العرب وهم أغلظ وأشد بطشاً وأسفك للدماء، وأفتك من اليهود وسائر أهل الكتاب.[١]
شأن النزول
وقع الخلاف حول سبب ومكان وزمان نزول آية التبليغ بين الشيعة والسنة، وكذلك وقع هذا الخلاف بين علماء أهل السنة أنفسهم.
قول الشيعة
أجمع علماء ومفسّرو الشيعة حول كون آية التبليغ نزلت في الثامن عشر من ذي الحجّة سنة 10 للهجرة، أي: آخر سنة من حياة الرسول الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم، عند عودته من حَجّة الوداع، وبالتحديد في منطقة فيها غدير يقال له «غدير خُم»، والتي تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وهذا ما ذكره العلامة الأميني في موسوعته الغدير، حيث قال بعد ذكر مكان وزمان نزول آية التبليغ: وما ذكرناه مِنَ المُتسالم عليه عند أصحابنا الإمامية.[٢]
قول أهل السنة
وقع خلاف بين علماء أهل السنة في خصوص مكان وزمان نزول آية التبليغ إلى عدّة أقوال، وذلك راجع لاختلاف الروايات التي وردت لديهم:
- القول الأول : أنّها نزلت في غدير خم، عندما كان النبيصلى الله عليه وآله وسلم راجعاً من حجّة الوداع، وهذا قول ابن عبّاس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن أبي أوفى،[٣] وأبو سعيد الخدري،[٤]، وابن مسعود، وغيرهم.[٥]
- القول الثاني : أنّها نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة عندما كان أبو طالب (ع) يرسل مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمحارسا من بني هاشم يحرسه، وهذا قول ابن عبّاس على رواية أخرى.[٦]
- القول الثالث : أنّها نزلت حينما كان النبيّصلى الله عليه وآله وسلم جالساً تحت شجرة، وهمّ أحدهم لقتله، وهذا القول استند على قول أبو هريرة، غير أنه لم يحدّد زمان ومكان نزول الآية.[٧]
- القول الرابع : أنّها نزلت في إحدى الليالي التي كان رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم في بيته بدون حراسة، وهذا القول مستند على رواية عائشة زوجة النبيّصلى الله عليه وآله وسلم،[٨] وأيضاً لم تُحدّد مكان وزمان النزول، وكذلك قول أنس بن مالك.[٩]
وهناك بعض الأقوال الأخرى التي لم تحدد من الأساس مكان وزمان نزول آية التبليغ.[١٠]
واقعة الغدير
بعد انقضاء مناسك الحج، ورجوع النبيصلی الله عليه وآله وسلم ومن معه إلى المدينة، وفي طريقهم انتهىصلی الله عليه وآله وسلم إلى الموضع المعروف بغدير خُمٍّ، التي تتشعب فيها طرق أهل المدينة وأهل مصر وأهل العراق،[١١] وكان ذلك في يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل الوحي على النبي الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم في آية الإبلاغ بقوله تعالى: قالب:قرآن.[١٢] فأمر الله تعالى نبيهصلی الله عليه وآله وسلم إبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب علي بن أبي طالب إماماً للمسلمين وخليفة لهصلی الله عليه وآله وسلم عليهم، والتي انتهت بمبايعته من قبل كبار الصحابة وجميع الحجاج الحاضرين هناك. ثم لم يتفرقوا حتى نزل الوحي بقوله تعالى: قالب:قرآن.[١٣][١٤]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن مردويه الأصفهاني، أحمد بن موسى، مناقب علي بن أبي طالب، دار الحديث، قم – إيران، ط 1، 1422 هـ.
- الأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط 1، 1414 هـ.
- الجوزي، عبد الرحمن بن علي، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، بيروت - لبنان، دار الكتاب العربي، ط 1، 1422 هـ.
- الحاكم الحسكاني، عبيد الله، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران-إيران، د.ت.
- الرازي، فخر الدين محمد، التفسير الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط 4. 1434 هـ.
- الزمخشري، جار الله، الكشّاف، بيروت- لبنان، دار صادر، ط 1، 1431 هـ.
- السیوطي، جلال الدین، الدر المنثور في التفسیر بالمأثور، دارالفکر، بیروت - لبنان، 1414 هـ.
- الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة الأميرة، بيروت-لبنان، ط 2، 1430 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، دار المجتبى، قم-إيران، ط 1، 1430 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، ط 1، 1415 هـ.
- النسائي، أحمد بن شعيب، السنن الكبرى، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، 1421 هـ.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 6، صص 41-51 ؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 4، صص 82-87.
- ↑ الأميني، موسوعة الغدير، ج 2، ص 423.
- ↑ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج 1 ، صص 190-192، سورة المائدة آية 67
- ↑ ابن مردويه الأصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب، ص 239، سورة المائدة آية 67.
- ↑ السيوطي، تفسير الدر المنثور، ج 5، ص383، سورة المائدة آية 67.
- ↑ االجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ص 397، سورة المائدة آية 67.
- ↑ السيوطي، تفسير الدر المنثور، ج 5، ص383، سورة المائدة آية 67.
- ↑ ابن جرير، تفسير الطبري، ج 10، ص 469، سورة المائدة آية 67
- ↑ الزمخشري، تفسير الكاشف، ص 301، سورة المائدة آية 67.
- ↑ فخر الدين الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، ج 12، ص 52-53، سورة المائدة آية 67.
- ↑ النسائي، السنن الكبرى، ج 7، ص 443.
- ↑ المائدة، 67.
- ↑ المائدة: 3
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 6، صص 41-51 ؛ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 4، صص 82-87.