الشيخ محمد بن الشيخ يوسف محيي الدين
الشيخ محمد بن الشيخ يوسف محيي الدين
ولد الشيخ محمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ جعفر محيي الدين في النجف الأشرف ونشأ بها على والده ، وتتلمذ على علماء النجف وفقهائها منهم:
1 - الشيخ محمد باقر ( الوحيد ) البهبهاني .
2 - الشيخ محمد تقي الدورقي .
وكان شريكا في الدرس مع السيد محمد مهدي الطباطبائي ( بحر العلوم ) والشيخ جعفر الكبير عند العلامة الكبير الشيخ الوحيد البهبهاني في مدينة كربلاء ، وبعد وفاة الشيخ الوحيد عام 1206 ه / 1791 م عاد إلى النجف الأشرف مع السيد بحر العلوم والشيخ جعفر الكبير فتولى فيها منصب القضاء ، وكان قد جمع في شخصيته الفقه والأدب ، ويقول السيد الأمين : " كان عالما فاضلا فقيها معروفا بقوة التفرس "ويقول الشيخ محبوبة : كان له في النجف في عصره القضاء والفتيا ، وقد عرف بقوة الفراسة وشدة الذكاء حتى أنه كان يعرف المحق من المبطل ، غالبا قبل شروعه في الخصومة ، وله في الفراسة حكايات مأثورة وكان له صحبة أكيدة مع بعض أعلام النجف من آل " النحوي والسيد صادق الفحام ، وقد كان يختلف على المدن المجاورة للنجف لوجود أصدقائه فيها وتشير مطارحاته ومساجلاته مع الأدباء والشعراء إلى القدرة والتمكن في هذا المجال بصفته أحد رجال النهضة الأدبية في النجف ، ومن أقطاب معركة " الخميس " ، فقد راسل الشيخ جعفر الكبير عند سفره إلى بغداد قائلا:
سلام على دار السلام ومن بها * وبالرغم عني أن أسلم من بعد
نأيتم فأفراحي نأت ومسرتي * لعل لقاكم قد يخفف عن وجدي
خليلي قولا للمؤيد ( جعفر ) * مقالة ذي نصح يهدّي إلى الرشد
تبغددت حتى قيل : أنك قاطن * وجانبت أهل العلم والنسك والزهد
فجدّ إلى الوجه الذي أنت قاصد * فليس لنيل المكرمات سوى الجد
تحية داعيكم ( محمد ) معلنا * يذكركم لا زال جريا على العهد
وكتب إليه صديقه السيد سلمان الحكيم الحلي :
خليلي كيف اخترتما منهج الجفا * وكيف لدى الخلان ساغت علاقمه
وما لكما جانبتما جانب الوفا * أكان الوفا قد جار في الحكم قاسمه
وجافيتما من كان يأمل منكما * مساعدة أن يأت خصم يصادمه
وبدلتما بالخفض مرفوع قدره * وهجر كما أضحى له وهو جازمه
وظنكما حصنا له من عدوه * وأنكما أن قامت الحرب صارمه
فصح لديه منكما عكس ظنه * وأصبح والرأي الأكيد يصادمه
سأسقيكما مني الوداد وان يكن * ( وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه )
فأجابه الشيخ محمد محيي الدين :
أتاني عقاب من خليل رجوته * ظهيرا على السر الذي أنا كاتمه
وعهدي به يفضي على العمد والخطأ * وما نفثت بالسم يوما أراقه
وعوّدني الصفح الجميل وربما * يرى الصفح احرى من ترامت مكارمه
فهبني تعاطيت الصدود لحادث * مخافة أن تسطو عليّ قشاعمه
أفي الحق أن أعزى إلى الهجر والجفا * وما بنينا الود الذي أنت عالمه
فعذرا بلا ذنب - وان كنت عاتبا - * وعفوا عن الجاني وجلّت مآثمه
ورفقا يصب وما يزال متيما * وخفّض فخير الغيط ما أنت كاتمه
وتقدم المساجلات الشعرية صورة لأدب القرن الثالث عشر الهجري في مدينة النجف الأشرف ، فكتب الشيخ محمد محيي الدين إلى السيد حسين الحكيم مداعبا ومستهديا سعف النخيل الذي قد عوده إهداءه قائلا:
قل للحسين أخي الإحسان والشرف * لا تنس مالي من الإخلاص والشغف
حاشا علاك عن الأحجام عن صلتي * بعد التعهد والإتحاف بالتحف
ما زلت تنجز ما وظفت من عدة * هلا تفضلت بالإسعاف ( بالسعف )
فأجابه السيد حسين الحكيم قائلا :
محمد يا زكي الوسط والطرف * لا تجعلن ودّنا وقفا على طرف
من سره أن يرى كل الورى جمعت * بواجد فلير ما فيك وليقف
من همه في اكتساب المجد مرتقيا * وهم بعضهموا في الباه والعلف
وكانت بين الشيخ محيي الدين ، والسيد محمد زيني صداقة ومودة حميمة وقد مر يوما على داره فوجده غائبا فأرسل إليه:
ما بيننا من خالص الود لا نسلو * وغير أحاديث الصبابة لا نتلو
مررت على مغناك لا زال آهلا * فهاج غرام والغرام بكم يحلو
وعارض الشيخ محمد محيي الدين قصيدة بطرس كرامة بقصيدة تنتهي جميع أبياتها بكلمة " خال " وتعطي في كل بيت معنى معينا كقوله:
خليلي من ( همدان ) مالي سواكما * مجير ولا في الناس غيركما خال
بعيشكما رفقا بصب متيم * نحيل يراه الشوق والهجر والخال
ألا فأرفقوا بي أن قلبي وراءكم * على نصب الأشواق سار به الخال
أسير وكف الشوق أردته في الهوى * ينادي وراء الركب هل فيكم خال
سأركب سفن الشوق بعد فراقكم * وأسكب دمع العين أن بخل الخال
ألا حبذا يوم به يرجم الفتى * بساعة لقياكم وان قدم الخال
أما والذي تسري الرياح بأمره * للست يناسيكم وان ضمني الخال
فكيف التسلي عنكم بسواكم * وحبكم باق وحب الهوى خال
وحمّلت من أيدي الهوى كل محنة * وقمت بما لا يحمل الخال والخال
وان كلمة الخال الواردة في الأبيات تعني ( الصاحب والظن والبعير الضخم والرجل السمح والسحاب لا يخلفه مطر والثوب الذي يستر به الميت والجمل الضخم ) .
وقد شكك الأستاذ الدكتور عبد الرزاق محيي الدين بخالية الشيخ محمد محيي الدين لأن عصره يسبق عصر بطرس سلامة بزمن غير قصير ، وان المعاصر لبطرس سلامة هو حفيده الشيخ موسى بن الشيخ شريف محيي الدين ، وهو المعارض لقصيدة بطرس سلامة .
وكان الشيخ محمد محيي الدين من أقطاب معركة الخميس الأدبية ، وقد جاءت تسميتها من قول الشيخ جعفر الكبير : " يريك بأيام الخميس مودة " وهي واقعة ذات طرف ومداعبة أدبية رائعة ، وقد كشفت عن شاعرية الشيخ محمد محيي الدين الذي كان في الوقت نفسه فقيها وعالما ، ويقول السيد الأمين : " كان عالما فاضلا فقيها جليلا معظما شاعرا أديبا كاتبا حسن الخط " ويأتي قول الشعر بعد فراغه من عمله الفقهي ، ويقال أن السيد بحر العلوم ، والشيخ جعفر الكبير كانا يرجعان إليه ، وقد عرف بقوة التفرس عند الفقهاء ، حتى أنه يعرف غالبا المحق من المبطل وقد كتب في الفقه والأدب ما يلي:
1 - السحابة الروية على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية .
وهذا الكتاب في الفقه الاستدلالي ، وفيه استعراض لآراء جده الشيخ علي محيي الدين صاحب كتاب " توقيف السائل على دلائل المسائل " وجده الأعلى الشيخ لطيف محيي الدين شارح كتاب " المعالم " وصاحب كتاب " الرجال " ويقول الشيخ الطهراني أن هذا الكتاب أسمه " السحابة الروية والنفحة المحمدية والنسمة الغروية في شرح الروضة البهية " وذكر له كتاب " شرح الروضة البهية أو شرح اللمعتين " وهو شرح مزجي ولعله هو نفسه " السحابة الروية " .
2 - رحلة إلى مكة ، وهي قصيدة شعرية استعرض فيها سفره إلى الحج وقد تذكر فيها أجواء مدينة النجف العلمية وأهلها فيقول:
ولما نزلنا مصلى الغري * ونادى منادي الرحيل البدارا
ترامت جفون وأودت نفوس * وريعت قلوب فظلت حيارى
كأن بصحبي وقوفا هناك * تراهم سكارى وما هم سكارى
ورافوا الوداع قبيل الرحيل * ترى هل يبل الوداع الاوارا
3 - ديوان شعر .
توفى الشيخ محمد محيي الدين عام 1219 ه / 1804 م ، وهناك من يؤرخ وفاته عام 1218 ه بالقول : " جنات عدن أزلفت لمحمد " وقد رثاه السيد حسين بن السيد سليمان الحلي بقصيدة منها:
سهم المنون لكل حي أقصدا * هيهات تلقى في الزمان مخلدا
لا يفرح الناجي وذي غاراته * قد شنها وسهامه قد سددا