بريهة الجاثليق النصراني
بريهة الجاثليق النصراني (مسيحي / العراق)
جاء في كتاب «بحار الأنوار»:
عن هشام بن الحكم، عن (جائليق) من جثالقة النصارى يقال له «بريهة»، قد مكث «الجاثليق» في النصرانية سبعين سنة، فكان يطلب الإسلام ويطلب من يحجّ عليه ممّن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته.
قال: وعرف بذلك حتّى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتّى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلاّ «بريهة» لأجزأنا، وكان طالباً للحقّ والإسلام مع ذلك، وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه، وكان يسرّ إليها ضعف النصرانية وضعف حجّتها.
قال: فعرفت ذلك منه فضرب «بريهة» الأمر ظهراً لبطن وأقبل يسأل عن أئمّة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم، وكان يستقري فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئاً.
وقال: لو كانت أئمّتكم أئمّة على الحقّ لكان عندكم بعض الحقّ، فوصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم.
فقال يونس بن عبد الرحمن: فقال هشام: بينما أنا على دّكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون عليّ القرآن، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسّيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس، والجاثليق الأكبر فيهم «بريهة» حتّى نزلوا حول دكاني، وجعل «لبريهة» كرسيّ يجلس عليه، فقامت الأساقفة والرهبنة على عصيّهم، وعلى رؤوسهم برانسهم.
فقال «بريهة»: ما بقى في المسلمين أحد ممّن يذكر بالعلم والكلام إلاّ وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء فقد جئت أناظرك في الإسلام، فجرت محاورة بين «بريهة» وهشام فغلبه هشام.
قال: فرجع «بريهة» مغتمّاً مهتمّاً حتّى صار إلى منزله.
فقالت امرأته التي تخدمه: مالي أراك مهتمّاً مغتمّاً؟
فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام.
فقالت «لبريهة»: ويحك أن تكون على حقّ أو على باطل؟
قال «بريهة»: بل على الحقّ.
فقالت له: أينما وجدت الحقّ فمل إليه، وإيّاك واللجاجة فإنّ اللجاجة شكّ، والشكّ شؤم وأهله في النار.
قال: فصوّب قولها وعزم على الغدو على هشام.
قال: فغدا إليه وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام ألك من تصدر عن رأيه فترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟
قال هشام: نعم «يا بريهة» ذلك هو أبو عبد الله(عليه السلام).
فارتحلا حتّى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله(عليه السلام)، فلقيا موسى بن جعفر(عليه السلام) فحكى له هشام الحكاية، فلمّا فرغ قال موسى بن جعفر(عليه السلام): «يا بريهة» كيف علمك بكتابك؟
قال: أنا به عالم.
قال: «كيف ثقتك بتأويله»؟
قال: ما أوثقني بعلمي به.
قال: فابتدأ موسى(عليه السلام) يقرأ الإنجيل.
قال «بريهة»: والمسيح لقد كان يقرؤها هكذا، وما قرأ هذه القراءة إلاّ المسيح.
قال «بريهة»: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن وحسن إيمانه و، وآمنت المرأة وحسن إيمانها.
قال: فدخل هشام و«بريهة» والمرأة على أبي عبد الله(عليه السلام) فحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى(عليه السلام) و«بريهة» فقال أبو عبد الله(عليه السلام): ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1).
قال «بريهة»: جعلت فداك أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟
قال: «هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوها، إنّ الله لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري».
فلزم «بريهة» أبا عبد الله(عليه السلام) حتّى مات أبو عبد الله(عليه السلام)، ثُمّ لزم موسى بن جعفر(عليه السلام) حتّى مات في زمانه، فغسّله وكفّنه بيده، وقال: هذا حواريّ من حواري المسيح يعرف حقّ الله عليه، فتمنّى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله(2).