وردان كنكر
وردان كنكر (أبو خالد الكابليّ)
(كيسانيّ / أفغانستان)
كان من حواريّ الإمام زين العابدين علي بن الحسين(1) ، وقد روى عنه أحاديث كثيرة ، وله كتاب(2) في الرواية عنه ، وحينما أراد الحجّاج والي الأمويّين قتله ، هرب إلى مكّة وأخفى نفسه فيها ، ونجا منه(3).
استبصاره:
نقل الكشّي بإسناده عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قوله:
"كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّد بن الحنفيّة دهراً ،وما كان يشكّ في أنّه إمام حتّى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك ، إنّ لي حرمة ومودّة وانقطاعاً ، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلاّ أخبرتني: أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه؟
قال: فقال: يا أبا خالد ، حلّفتني بالعظيم، الإمام عليّ بن الحسين عليّ وعليك وعلى كلّ مسلم.
فأقبل أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمّد بن الحنفيّة ، فجاء إلى عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، فلمّا استأذن عليه فأخبر أنّ أبا خالد بالباب ، فأذن له ، فلمّا دخل عليه دنا منه قال(عليه السلام):
مرحباً يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدالك فينا؟
فخرّ أبو خالد ساجداً شاكراً لله تعالى ممّا سمع من عليّ بن الحسين(عليه السلام) .
فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتّى عرفت إمامي.
فقال له علي(عليه السلام): وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟
قال: إنّك دعوتني باسمي الذي سمّتني أمّي التي ولدتني وكنت في عمياء من أمري ، ولقد خدمت محمّد بن الحنفيّة دهراً من عمري ، ولا أشك إلاّ وأنّه إمام حتّى إذا كان قريباً سألته بحرمة اللّه وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك ، وقال: هو الإمام عليّ وعليك وعلى جميع خلق اللّه كلّهم ، ثمّ أذنت لي فجئت فدنوت منك ، سميتني باسمي الذي سمّتني أمّي فعلمت أنّك الإمام الذي فرض اللّه طاعته على كلّ مسلم"(1).
اهتمام الامام زين العابدين (عليه السلام) به:
كان "وردان كنكر" مورد عناية الإمام زين العابدين (عليه السلام) وقد نقل "الكشّي" عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً:
"خدم أبو خالد الكابلي علي ّبن الحسين(عليه السلام) دهراً من عمره ، ثمّ إنّه أراد أن ينصرف إلى أهله فأتى عليّ بن الحسين(عليه السلام) ، فشكا إليه شدّة شوقه إلى والديه.
فقال(عليه السلام): يا أباخالد ، يقدم غداً رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير ، وقد أصاب بنتاً له عارض من أهل الأرض ، ويريدون أن يطلبوا معالجاً يعالجها ، فإذا أنت سمعت قدومه فأته ، وقل له: أنا أعالجها لك على أنّي أشترط عليك أنّي أعالجها على ديّتها عشرة آلاف درهم ، فلا تطمئن إليهم وسيعطونك ما تطلب منهم.
فلما أصبحوا قدم الرجل ومن معه بها ، وكان رجلاً من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة .
فقال: أما من معالج لبنت هذا الرجل؟
فقال له أبو خالد: أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم ، فإن أنتم وفّيتم وفّيت لكم على ألاّ يعود إليها أبداً.
فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف درهم ، ثمّ أقبل إلى عليّ بن الحسين(عليه السلام)فأخبره الخبر.
فقال(عليه السلام): إنّي لأعلم أنّهم سيغدرون بك، ولا يفون لك ، انطلق يا أبا خالد، فخذ بأذن الجارية اليسرى ، ثمّ قل: يا خبيث ، يقول لك عليّ بن الحسين: أخرج من هذه الجارية ولا تعد .
ففعل أبو خالد ما أمره ، وخرج منها ، فأفاقت الجارية ، فطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع أبو خالد مغتمّاً كئيباً .
فقال له عليّ بن الحسين(عليه السلام): مالي أراك كئيباً ياأبا خالد ، ألم أقل لك إنهم يغدرون بك؟ دعهم فإنهم سيعودون إليك ، فإذا لقوك فقل لهم لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي عليّ بن الحسين(عليه السلام) ، فإنّه لي ولكم ثقة.
فرضوا ووضعوا المال على يدي عليّ بن الحسين .
فرجع أبو خالد إلى الجارية وأخذ بأذنها اليسرى ، ثمّ قال: ياخبيث ، يقول لك عليّ بن الحسين(عليه السلام): أخرج من هذه الجارية ، ولا تعرض لها إلا بسبيل خير ، فإنّك إن عدت أحرقتك بنار الله الموقدة التي تطلّع على الأفئدة ، فخرج منها ولم يعد إليها ، ودفع المال إلى أبي خالد ، فخرج إلى بلاده"(1).