رفيق الموسوي

من ويكي علوي
مراجعة ٢٣:٥٨، ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ بواسطة Qanbar (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'= (بنت الهدى) رفيق الموسوي = (سنّيّة ـ الأردن) ولدت سنة 1972م في "الأردن" ونشأت في أسرة سنّيّة المذهب ، ثم حفظت القرآن الكريم وهي في سنّ الثالثة عشر من عمرها ، وكانت تشترك كثيراً في مجالس الدروس الدينيّة على مدى أعوام طويلة ، ثمّ حازت على شهادة الدبلوم في إدارة الم...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

(بنت الهدى) رفيق الموسوي

(سنّيّة ـ الأردن)

ولدت سنة 1972م في "الأردن" ونشأت في أسرة سنّيّة المذهب ، ثم حفظت القرآن الكريم وهي في سنّ الثالثة عشر من عمرها ، وكانت تشترك كثيراً في مجالس الدروس الدينيّة على مدى أعوام طويلة ، ثمّ حازت على شهادة الدبلوم في إدارة المكاتب .

كيفيّة تعرّفها على التشيّع:

تقول "بنت الهدى": تمّ لقائي صدفة بسيّد جليل من أبناء العراق ، وتعرّفت من خلاله على مذهب التشيّع ، وصحّح لي الأفكار الخاطئة التي كنت أحملها عن الشيعة وبيّن لي الحقائق التاريخيّة المؤلمة بحقّ أهل البيت سلام اللّه عليهم .

مع كتاب ثمّ اهتديت:

وتضيف "بنت الهدى" قائلة: ثمّ أهداني هذا الرجل الفاضل ـ الذي أصبح فيما بعد والد زوجي ـ كتاب "ثمّ اهتديت" للدكتور الفاضل "التيجاني" الذي أدعو له في كلّ صلاة أصليها ، فتأثّرت جدّاً بكتابه وذلك لأنّني شعرت أنّه أقرب إلى العقل والمنطق ممّا تربّينا عليه أجيالا !

وفي ليلة واحدة أنهيت قراءة الكتاب ، وكان هذا الأمر بالنسبة لي منطلقاً للبحث ; لأنّ "الدكتور التيجاني" كان يستند في كلامه إلى أمّهات كتبنا، وكنت أقرأ ولسان حالي يقول:

يا إلهي، هل هذه الحقائق موجودة في كتبنا ونحن لم ننتبه إليها ؟

وأخذت أتفاجأ وأتفاجأ ولا أجد إجابة مقنعة لهول ما اكتشفت من حقائق مغيّبة .

لماذا هذا التعتيم؟!:

وتقول "بنت الهدى" : قلت في نفسي : إلى متى هذا التعتيم الإعلامي المتوارث من جيل إلى جيل تجاه أهل البيت سلام اللّه عليهم في ما يخصّ الحوادث الكثيرة التي بدأت قبل وفاة سيّد الخلق ـ لنقل على الأقلّ ـ من بيعة غدير خمّ، وحجّة الوداع، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودّة، في القربى إلى رزيّة الخميس ، واجتماع السقيفة، إلى اغتصاب فدك و ..؟

ثمّ قلت في نفسي:

هل أنا من هذا العالم أم أنا من عالم آخر ؟ وكيف غابت عنّي هذه الحقائق ، وأنا التي كنت أرتاد مجالس الدروس الدينيّة على مدى أعوام ، وأنا التي حفظت القرآن في سنّ 13 سنة ، أين أهل البيت من تلك الدروس التي كنت أرتادها؟

أين تاريخهم ؟

أين علومهم؟

أين مظلوميّاتهم؟

وأين تلك الآيات والسور ممّا حفظت من القرآن، وكأنّي أقرأها لأوّل مرّة ، فقد كنّا نحفظ القرآن صمّاً بكماً دون فهم أو وعي ، وكانت مدرستنا تشرح لنا قبل حفظ أيّ آية معاني الألفاظ، وبقينا على هذه الحالة نحفظ القرآن مدّة خمس سنوات ، فلم ينبهنّا أحد بآية تخصّ أهل البيت الذين تعرّفت عليهم للتوّ ...

مواصلة البحث ومعرفة الحقيقة:

تضيف "بنت الهدى" : لقد ذهلت ممّا قرأت وسمعت وعرفت، وبدأت ارتاد المكتبة العامّة بشكل شبه يوميّ من الصباح حتّى المساء، أستنبط من الكتب والصحاح التي يشير إليها الكاتب الدكتور "التيجاني" فأسجّل بعض الحقائق في مفكّرتي، وأسأل واستفسر وأحلّل الأحداث من أجل بناء معتقداتي على قاعدة متينة من الحجج والبراهين .

وفي الحقيقة تبيّن لي بعد البحث بصورة مجملة أنّ الأمر لا يحتاج إلى كلّ هذا الضجّة ، وكأنّ الإنسان حينما يقرّ بولاية أمير المؤمنين الإمام عليّ سلام اللّه عليه فإنّ الدنيا تنقلب رأساً على عقب والعياذ باللّه ، فأنا لم أجد في الأمر كلّ ذلك التعقيد، وقلت في نفسي: ما المشكلة في أن يجد الإنسان حقّاً ضائعاً ويعترف به وبأحقّيّته ، خاصّة وأنّ صاحب هذا الحقّ هو الإمام عليّ(عليه السلام) روحي فداه ، لكنّي بنفس الوقت الذي أقررت بولاية أميري عليّ(عليه السلام) فقد بدأت بالبحث والتقصّي على الرغم من صغر سنّي وقتها حتّى توصّلت شيئاً فشيئاً إلى الكثير من الحقائق التي أخذت بيدي وأدخلتني في رحاب مدرسة أهل البيت(عليهم السلام).

مؤلّفاتها:

1 ـ "شيّعتني الصحاح الستّة" مخطوط ، وسيصدر عن مركز الأبحاث العقائديّة.

تعرّضتْ في هذا الكتاب إلى قصّة رحلتها إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، ثمّ بيّنت الحقائق الموجودة في الصحاح والتي من خلالها تبيّن لها أحقّيّة مذهب التشيّع.

ويحتوي هذا الكتاب بعد المقدّمة على خمسة فصول :

الفصل الأوّل : محطّة التحوّل.

الفصل الثاني: كتب السنّة شيّعتني.

الفصل الثالث: الأحداث التاريخيّة والأحاديث المثبتة في الصحاح .

الفصل الرابع: الاجتهاد وتحريف السنّة وابتداع البدع (الحسنة).

الفصل الخامس: الخلاصة.

وذكرت "بنت الهدى" قصة استبصارها بصورة مفصلة في مقدمة هذا الكتاب ، وقالت:

يقول اللّه تعالى في محكم تنزيله: {إنّ في ذَلك لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهوَ شَهْيد}(1). لعلّي أجد من هذه الآية منطلقاً للحديث عن بداية تشيّعي لسيّدنا محمّد وآله(عليهم السلام) ، واقتناعي بالفكر الإماميّ الجعفريّ ، وأحمد اللّه تعالى على تلك النعمة العظيمة التي مَنّ بها عليّ ، نعمة الولاية الأمانة التي سنُسأل عنها يوم الوقوف بين يدي الخالق، الذي يقول عزَّ من قائل: {وَقِفُوهُم إنّهُم مَسْؤُولُون}(2). فعمّاذا نحن مسؤولون؟

وللإنصاف في الحديث عن نعمة التشيّع، والفرق بين ما قبل التشيّع وما بعده ، أجد أنّه عليّ التطرّق ـ ولو بشكل سريع ـ لبعض نواحي حياتي قبل التشيّع ، لأبيّن بالتالي أنّ تشيّعي والذي أتى والحمد للّه عن اقتناع تامّ جعل منّي إنسانة مختلفة، مسلمة يعمر قلبها بحبّ اللّه سبحانه ، وجعلني ألمس معنى حبّ اللّه الحقّ تبارك وتعالى وحبّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم يكن تشيّعي لأنّ الشيعة وكما يتقوّل عليهم مناوؤهم للنيل منهم بأنّهم طائفة تغلبهم العاطفة على العقل ، وليس لأنّي امرأة تتأثّر بهذه الناحية ، كما لم يكن تشيّعي لأنّي تزوّجت بشيعيّ ، بل لأنّي اقتنعت بالمذهب بداية كوصيّة ذات حكمة من رسولنا الكريم، وكحقّ بإمامة وليّ أمر المسلمين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) علينا ، وكفكر يحاكي العقل في مختلف مدارسه الفكريّة ، ذلك أنّي تشيّعت ، فتزوّجت بشيعيّ ، ولم أتزوّج شيعيّ فتشيّعت.

أمّا بالنسبة لنبذة عن حياتي قبل التشيّع فهي في سطور كانت كالتالي:

المرحلة الدراسية:

بعد إنهاء الدراسة الثانويّة درست الإدارة ، ولو أنّي أتمنّى لو كنت درست الشريعة لكي أكون أكثر اطّلاعاً وقوّة في الحكم. وكانت المرحلة الدراسية في بدايتها ولحرص أهلي على بثّ الوازع الديني فينا فقد درسنا أنا وإخوتي في مدرسة ذات طابع وتوجّه إسلامي. ويبدو أنّه من سوابغ نعم اللّه وفضله عليّ أن منحني فضولاً كبيراً لمحاولة فهم كلّ شيء حولي ، بمعنى أنّي لم أكن لأقبل الأمور بمسلّماتها ، وهذا ما كان يشكّل لي عائقاً في تلك المرحلة يحول دون الاقتناع ببعض ما كان يطرح من مسلّمات في بعض مراحل التاريخ الإسلاميّ، ومن بعض التناقضات في السنّة التي بين أيدينا ، والأوهام المقدّسة...

كنت أشعر في مرحلة الطفولة والمراهقة أنّي فطريّاً وبيئيّاً واجتماعيّاً مسلمة، وعاطفيّاً مؤمنة أمّا عقليّاً فقد كنت أشعر بعدم توافق العقائد المطروحة أمامي وعقلي ، فقد كنت أواظب على حضور الدروس الدينيّة فيكون تأثّري بها وضعيّ وليس أبديّ، وما هي إلاّ لحظات تعقب خروجي من المجلس إلاّ وتملأني الحيرة ، وأجد عقلي يناقش الأفكار التي نتلقّاها فيقبل البعض ويتناقض إحساسي وفهمي الفطري للإسلام مع البعض الآخر من هذه الأفكار... إذن هل الخطأ فيَّ أنا أم ماذا؟ هل استيعابي سيّىء؟ هل إيماني ضعيف؟ لا أعتقد وإلاّ لما بادرت بالاهتمام بارتياد المجالس الدينيّة؟ وختمت القرآن غيباً، وأنا في عمر إحدى عشر سنة؟ إذن ما المشكلة؟ هنالك حلقة مفقودة لا أعرف كنهها بيني وبين الإسلام المطروح أمامي، وأذكر أنّي كلّما حاولت الاستفهام عن شيء سدّ باب الجواز أمامي فكنت أعزو ذلك إلى صغر سنّي في تلك المرحلة (مرحلة المراهقة).

ولكن بعد أن كبرت قليلاً ودخلت مرحلة الشباب كان الخيار إمّا أن أستمرّ في السير مع هذه التناقضات التي تعتمل في داخلي ولا أجد لها جواباً وكأنّي النعجة تساق إلى المذبح وهي راضية تطأطىء رأسها ولا تدري بهول النهاية ، وإمّا أن أرفض، وأبحث عن اصل هذه التناقضات، ولكن أين ومتى ومن سيجيبني فكلّهم يسيرون بنفس النهج قال اللّه، وقال الرسول، ولا يحقّ لي أنا أن أقول لماذا وأين ومتى وكيف ، كلّما حاولت البحث عن إجابة لسؤال كانوا يقولون عنها إنّها أسئلة كفر وتؤدّي بي إلى النار وكأنّ الصورة الوحيدة لربّ الأكوان هي العقاب والنار ، إذن لماذا خلقني سبحانه وتعالى؟ ولماذا خلق لي العقل وميّزني عن بقية الكائنات؟ ولكن ما من جواب شاف، إذن فالأفضل لكي لا أبقى على هامش الدين طالما لم أستطع ان أغوص في عمقه ، فقد فضّلت أن أرضى بالقليل غير المقنع على أن أتعمّق بالكثير الذي يوصلني إلى الكفر لا سمح اللّه.

وانغمست بعد تخرّجي في الحياة العمليّة العامّة البعيدة تمام البعد عن الدين، والغارقة في عالم السطحيّة، ولكنّي أردت أن أبحث عن مكان أجد فيه ما يتناسب وطاقاتي وقدراتي الذهنيّة مبتعدة عن محاولة أن أكون عنصراً مسلماً فاعلاً.. فذهبت حالي حال معظم شباب العصر للبحث عمّا يروي عقلي بمبادئ وأفكار تناسبه، طبعاً أنا لا أدّعي هنا بأنّي ذات عقليّة فذّة، ولكن حسب قدراتي الذهنيّة كان الطرح المتوفّر أمامي على المستوى الديني غير مناسب من ناحية فكريّة عقائديّة وإسلاميّة فطريّة، إلاّ أنّ الطرح الآخر ، وهو حقّ الولاية وحقّ آل البيت(عليهم السلام) وما يتبع ذلك من عقيدة وفقه لا يحتاج إلى عقليّة فذّة تدركه، بل إلى فطرة سليمة بعقل منصف، وقلب محبّ، وروح شجاعة لا تأتي إلاّ من محبّة اللّه ورسوله وآل بيته وجهادهم صلوات اللّه وسلامه عليهم ، وكوني لم أكن قد تعرّفت على هذا النهج بعد فقد سرت في حياتي مع القطيع.

الحياة العملية وبداية النواة الثقافيّة:

ومن هنا انطلقت بعد إنهاء دراستي إلى الحياة العمليّة إلى الوظيفة ، في مجتمع أشدّ ما يشجّعه هو الابتعاد عن الدين ، وقد أتيحت لي فرص لست أعلم حكمة اللّه فيها لغاية الآن، ولكن من خلال المواقع الحسّاسة التي عملت بها فقد كان المجال واسعاً أمامي للاختلاط بالأوساط السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة على أعلى المستويات ، فتارة أجد ميولي تتّجه نحو الأفكار الوطنيّة ، وتارة أنجذب نحو مختلف التيّارات القوميّة أو الماركسيّة ، فالليبراليّة.

أبحث هنا وهناك لعلّي أجد ضالّتي ، وكلّ هذا يحدث معي في تسارع قياسي وبترتيب عبثي ، حاولت من خلال ذلك كلّه البحث عمّا يروي ظمأً غريباً من نوعه.

كنت أعتقد أنّما هو فقط لذّة الشعور بالنجاح، وحصرت طموحي كلّه في هذا المجال، وكلّما تدرّجت في وظيفتي وأثبتّ وجودي وتميّزي الوظيفي انتقلت إلى وظيفة أفضل وطموح أكبر.

لكن أيضاً هذا الأمر لم يرضيني ، هنالك حلقة مفقودة بداخلي سببها عدم الرضا ، وابتعادي عن ديني ، كنت أعلم ذلك في قرارة نفسي ، كما يعلمه كلّ المنشغلين عن ربّهم وعباداتهم ولكنّهم يتغافلون، ويضلّلون أنفسهم فوق ما ضلّله إيّاهم سلفهم من قبلهم ومَن حولهم ، تنطبق عليه الآية الكريمة: {أُولئِكَ الذيْنَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبهِمِ وَسَمْعهِمِ وَأبْصَارِهِم وأُولئِكَ هُمُ الغَافِلُون}(1).

البحث عن الحقيقة:

كنت أحاول، وبقيت أحاول أن أصل إلى عين الحقيقة المنبعثة من إيماني المتجذّر بأنّ اللّه ما خلق هذا الكون ونظّمه ثمّ تركه بعد الرسل عبثاً، وإلاّ فإنّنا نكون في هذه الحالة مظلومين، وحاشى للّه أن يكون ظالماً ، فكلّ الأقوام أرسل سبحانه إليها الرسل، ودعمها بالأنبياء والأولياء ، ثمّ كرّمنا بآخر النبيّين سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهل يعقل أن يتركنا هكذا طوال هذه الحقبة الطويلة من الزمن، الكفيلة بتبديل النفوس وتغيير الطقوس ؟!

وكيف إذا ما تبدّلت النفوس يوم وفاته روحي فداه. كما كنت أسأل نفسي ما الضمانة بأنّ ما بين أيدينا من تعاليم إسلاميّة هي نفسها التي أتى بها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، خصوصاً أمام بعض الأفكار التي تتسرّب من هنا وهناك ، لا تتوافق والفكر الإسلامي نهائيّاً ، ونأخذ بها دون أن نستفسر ، وكأنّ كلّ من حدّثنا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو قدّيس ، طيّب، أليسوا الذين أورثونا إيّاه هم بشر مثلنا معرّضون لإغواء النفس وللخطأ ولسوء العاقبة ، صحيح هنالك علم الرجال وعلم التجريح و و و ، ولكن مع نظريّة أهل العامّة التي تقول بأنّ الرسول لم يكن معصوماً، وكان كباقي البشر يخطىء ويصيب ، إذن ما الضمانة بأنّ الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يكونوا كذلك أيضاً؟ وبالتالي خطأ على خطأ على مدى 1400 عام من عمر الأمّة الإسلاميّة يمكن أن يمحي الإسلام الأصيل؟ أين الضمانة؟ ولماذا حفظ اللّه سبحانه وتعالى القرآن الكريم وترك السنّة النبويّة بلا حارس ولا أمين؟!

أليست السنّة المحمّديّة هي المفسّر الوحيد للأوامر الإلهيّة في كتابه ، فهل كانت ستترك السنّة بين يدي بشر عاديّين كلّ ينقلها لنا أو لا ينقلها حسب هواه ؟! وتبقى هذه الأسئلة تتعاظم بداخلي دون مجيب; لأنّ كلّ الأجوبة كانت لا تقنعني، بل تزيدني اضطراباً... إذن أين الخلل؟ لماذا نحن بهذا الحال؟

وبقيت في هذه الحيرة من أمري إلى أن اهتديت للمذهب الجعفريّ الاثنى عشريّ الذي فسّر لي براحة وطمأنينة لم يسبق لها مثيل كلّ الأسئلة ـ تقريباً ـ التي كانت تخالجني، فوجدت لها إجابات منطقيّة ، دون وجود إجبار تحت مبدأ بأنّه عليّ كمسلمة أن أمتثل للأوامر دون فهم العبرة والحكمة، ولي مطلق الحرّيّة في مناقشة أوامر اللّه سبحانه وتعالى ، بل حتّى لي الحرّيّة في البحث في الذات الإلهيّة، ومحاولة معرفة صفات اللّه الذي كنت دائماً أحاول أن أتصوّره كوجود وليس كذات، سبحانك ربّي سبحانك عمّا يتصوّرون ويصوّرون!!

نعم لقد وجدت الكنز، ويا إخواني وأخواتي، الذين يغرقون في ضلالهم وغفلتهم، ليتكم تدركون ما أدركت ، إنّه خلق جديد، عالم جديد يولد بالامتثال لأوامر اللّه ورسوله الحقّة بولاية إمام المؤمنين ووليّ المتّقين، يشعر المرء بنفسه بإنسانيّته بمعنى وجوده ويرقى بإسلامه ، يشعر المرء بمعنى الحبّ ومعنى العشق بأرقى حالاته ، يشعر بحبّ اللّه وحبّ رسوله الذي يدركه من خلال حبّه وولائه لآل البيت سلام اللّه عليهم ، بل إنّه حتّى يشعر بقيمة عقله. للأسف مهما تحدّثت فإنّ أحداً لا يدرك معنى ما أقول إلاّ من يمنّ اللّه عليه بالولاية لآل البيت سلام اللّه عليهم ، لما يجد في ولاية أئمّة الهدى ومصابيح الدجى(عليهم السلام)الاحترام لإنسانيّته وعقله وكلّ التقدير لعواطفه ، يكفي المرء أن يتعبّد بأدعيتهم صلوات اللّه وسلامه عليهم; ليشعر بسموّ روحه.

أصبحت أشعر وكأنّي في كلّ حرف أتعلّمه في صلاتي ، في دعائي ، في قراءاتي ، إنّما أسمو فوق كلّ من وضع عقله جانباً وسار مع التيّار ، أصبحت أحبّ اللّه وأحبّ الرسول فعلاً ، لقد أصبحت أحبّ اللّه عزّ اسمه في حين كنت سابقاً أهاب عقابه وناره لا أكثر ولا أقلّ ، أصبحت أعرف ما هو حبّ الذات الإلهيّة ، وما هي صفات اللّه الجلاليّة والثبوتيّة والجماليّة.

وأنا اتحدّى لو أنّنا أخذنا شريحة كبيرة من أهلنا وشبابنا ووجّهنا لهم سؤال:

هل تحبّون اللّه أم تهابونه؟ ومنحناهم دقيقة قبل أن يجيبوا، فسيجيبوننا بأنّنا نهاب اللّه.

سبحانه يا اللّه، حتّى صورتك في ذهن الأجيال باتت المعذِّب الذي يحرقنا إذا ما اخطأنا ، لكن أين تلك الصورة البهيّة التي تشعرنا برحمة اللّه؟

هل تعلمون ما معنى كلمة الرحمة؟

هل تعلمون ما معنى الكرم عند اللّه جلَّ وعلا؟

هل تشعرون بمعنى أن يكون المرء في ضيافة الرحمن؟

هل جرّبنا أن نفهم معنى العدل الإلهي؟

لا أعتقد بأنّ أحداً ممكن أن يستوعب ما تعني رحمة اللّه الحقيقيّة ، ولا يمكن أن يلمس حبّ اللّه لعبده إلاّ إذا وإلى آل البيت سلام اللّه عليهم وتبعهم في كلّ صغيرة وكبيرة ، وقرأ أدعيتهم ومناجاتهم وتذلّلهم لربّ العالمين ذلك الذلّ والاحتقار للنفس الذي تشعر به، إنّما هو لذّة وأيّما لذة في تضرّعك إلى اللّه بحبّ وليس بخوف.

لقد تعرّفت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من جديد، وعلى التاريخ الإسلاميّ من جديد من مولده ، وأصبحت أدرك أنّ المسألة مسألة صراعات سياسيّة تاريخيّة بدّلت وحرّفت وحرقت وظلمت السنّة النبويّة الشريفة في سبيل السلطة ، وبدأ هذا التاريخ الذي كان متناقضاً من قبل في مخيّلتي واضحاً ومفهوماً ، وأمور كثيرة بدأت تنجلي تجلّيات منطقيّة واقعيّة ، فبات مفهوماً كيف نمجّد أراذل القوم وشرذمتهم ممّن اشتهروا بشرب الخمر، ولعب القمار، والزنا، ونعطيهم صفة خلفاء المسلمين، وأمراء المؤمنين، وحماة الدين ، ونكاد بذات الوقت لا نذكر أكارم القوم وأطيبهم، بل وننسخ وجودهم وصفحاتهم من هذا التاريخ كلّياً.

وليس قصدي هنا أنّه علينا التخلّي (كأهل الجماعة) عن كلّ موروثنا وأنّه كلّه فساد وضلال والعياذ باللّه ، ولكنّ الأمر ببساطة يتلخّص في كلمتين ، أنت يا أخي المسلم، لديك خياران أصل وتقليد ، فأيّهما تختار؟ وأنت لك مطلق الحرّيّة أتترك الأصل الذي يدوم والذي هو حبل ممدود من الأرض إلى السماء، وهو الثقل العظيم بعد القرآن الكريم الذي هو الثقل الأعظم ، أم تتمسّك بالقشور؟

ثمّ اتّبعت المذهب الجعفريّ الإماميّ الذي وضّح لي التاريخ الحقيقي المعمى عليه ، وعرّفني من هم أئمّة الإسلام ، ومن هم السبب في بقائه لهذا اليوم ، وما هو كتاب اللّه ، وما هي سنّة رسوله ، بل وبثّ فيّ الأمل من جديد بعودة الحقّ بمقدم صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه ليدركنا ، ويأخذ بثأر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)من كلّ من ظلمه وظلم أهل بيته(عليهم السلام)وظلم الإسلام بالتالي.

في الواقع أنّني عندما بدأت أتلمّس هذا المذهب بخطوطه العريضة التي بدت منطقيّة، أخذت أبحث وأمحّص وأسأل وأدقّق ، ولكن أين أبحث؟ وكيف لي أن أتأكّد أنّ هذه الطائفة أيضاً تدّعي الصدق والحقيقة ، ففضّلت أن أبحث في كتب السنّة أوّلا كتبنا التي يستدلّون الشيعة علينا من خلالها ، إذ لا يعقل أن وقفات تاريخيّة كبيرة يدّعونها أهل الشيعة لا يوجد لها أثر في كتبنا، إن وجدت فهل يعقل مثلاً حادثة مثل بيعة الغدير هي محض اختلاق وافتراء ، هل يعقل أنّ حديث الثقلين بتلك القيمة الكبيرة التي يحمل هو محض دسّ ، هل جريمة قتل الحسين سلام اللّه عليه مرّت على المؤرّخين كأنّها لم تكن ، ولكن المفاجأة كانت حين بحثت في كتب (من يسمّون بأهل السنّة) للأسف أين هي تلك السنّة التي ينسبون أنفسهم لها أو ينسبونها لهم.

يا إلهي، فالبحث لم يحتج إلى زمن طويل إلاّ وقد تجلّت الحقيقة أمامي واضحة وضوح عين الشمس في النهار ، ومنيرة بنور القمر في غياهب الليل المظلم ، فهرولت لموالاة آل البيت وشايعت أميرنا عليّاً(عليه السلام) وذرّيته الأطهار أئمّة هداة لهذه الأمّة من بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن تفوتني سفينة النجاة ، وأقبلت على فكر الشيعة وعلومهم بكلّ راحة وطمأنينة كمن وجد ضالّته، وأخذ يدقّق فيها!! حتّى باتت الـ 24 ساعة اليوميّة لا تكفي لتعويض ما حرمت منه، فهل يكفي الوقت القادم من عمري لتعويض ما مضى ، متى أؤدّي عباداتي فأروي قلبي بحبّ الرحمن؟ ومتى أقرأ الكتب وأزيد ثقافتي؟ ومتى أستمع للمحاضرات العلميّة الدينيّة التي تشبع العقل؟ ومتى أستمع إلى غسيل الروح بالمجالس الحسينيّة؟

ولكن أليس غريباً هذا ، اليس غريباً أنّ علماءنا لا يلتفتون إلى هذه الحقائق ، فقط أريد أن أتخيّل أيّ عالم هذا وأيّ طالب عقيدة وفقه وشريعة يمرّ على حقائق دامغة في كتبه مرور الكرام؟ وكأنّها درس في كتاب ليس عليه أن يدرسه ولا يحفظه ; لأنّه لن يأتي في الامتحان ، صحيح قد لا يأتي في امتحان الدنيا لكنّك أخي المسلم، وسيّدي العالم، ستجد نفسك يوم الوقوف بين يدي صاحب الامتحان الأعظم ، تُسأل عمّا تغافلت عنه فضللت وضلّلت غيرك ، ولكنّها السياسة يا أخواني، والمصلحة، بل والخوف من اتّباع الحقّ والمناداة به. عموماً الحمد للّه أن ظلّلني بنعمته وخلّصني من غفلتي وضلالتي.

الحديث ذو شجون، وأنّ لحلاوة الحديث عن اكتشاف ولاية آل البيت(عليهم السلام) ، ونعمة مشايعتهم وحبّهم طعماً أطيب من الشهد في فم ذائقيه... هنالك الكثير الكثير من الأمور التي أندفع للحديث عنها في أمر تشيّعي ، وقد يكون هذا الاندفاع ممدوحاً غير مذموم ، فهو ليس اندفاعاً لأشخاص عاديّين، أو فكر ركيك إنّه اندفاع للطاهرين الذين عصمهم اللّه بقوله تعالى {إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرجْسَ أَهْلَ البيْتِ وَيُطَهّرَكُم تَطْهِيراً}(1) ، أهل البيت الذين لو تمسّكنا بهم ما كنّا لنضلّ بعد شفيعنا الأمين سيّد الخلق أجمعين محمّد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام ، فهم الأمناء، وحملة سنّة جدّهم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي يأمرنا باتّباعهم من بعده بقوله الثابت عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) في عدّة مواضع سنأتي على ذكرها لاحقاً.

هذه كانت مقدّمة لكتابي الذي قد يكون متواضعاً بأسلوب الكتابة ، فهذه أوّل مرّة أنشر فيها كتاباً ، ولكنّه حتماً وإن تواضع في مستواه ، فاللّه العالم أنّه يرقي بهدفه، أضعه بين أيديكم إخواني وأخواتي لعلّ من لم يلق السمع من قبل يجد فيما أسطّر دافعاً للبحث ولو من باب الفضول إن لم يكن من باب الإنصاف حول حقيقة التشيّع، حقيقة الولاية لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) من بعد رحيل سيّد الأمّة محمّد صلوات اللّه عليه وآله.

أسأل اللّه أن ينير بصيرة كلّ باحث عن الحقيقة; ليرى الحقّ بولاية آل البيت، وإنّني إذ أقدّم إلى القرّاء الكرام طلاّب الحقّ والمعرفة هذا الكتاب فإنّي أسألكم الدعاء لي بثبات الأمر وزيادة العلم في بحور معارف آل البيت (صلى الله عليه وآله وسلم)الذي لا يحدّه حدّ، ولا ينضب أبداً ، كما ألتمس دعاءكم لي بتحقيق حلمي بالانتساب للدراسة الحوزويّة سعياً لارتقاء المنبر الحسينيّ داعية إسلاميّة لمذهب آل البيت (عليهم السلام) وأن يسهّل لي اللّه جلّ شأنه السبل في هذا الشأن ، إنّه قريب مجيب .

محطّة التحوّل:

ذهبت ذات مرّة لزيارة صديقة لي في عملها فوجدتها جالسة مع مجموعة من الأشخاص يتحدّثون حول وضع العراق بعد حرب الخليج الثانية، والحصار الأمريكي، وأحوال الشعب العراقي المأساويّة، فانضممت معهم وبدأت أستمع وأشاركهم الحديث، وقد كانت الجلسة تضمّ شخصين عراقيّين أحدهم يعيش خارج العراق والآخر وهو والد الأوّل قادم للتوّ من بغداد ، وفي أثناء الحديث عبّرت عن رأي حول وضع العراق وويلاته بما معناه بأنّ العراق يستحقّ ما يجري عليه من ويلات عبر العصور; لأنّه يضمّ الشيعة، وأنّه لو تخلّصوا من الشيعة فإنّ اللّه سيقف إلى جانب العراق، ويخلّصهم من طواغيب العراق .

فابتسم أحدهم قائلاً: وما شأن الشيعة بذلك ؟ فقلت له: هؤلاء يألّهون عليّاً كرّم اللّه وجهه ، ويصلون للحجر، ويتّهمون جبرائيل(عليه السلام) بخيانة الأمانة، ويدّعون في النهاية أنّهم مسلمون .

وإذا بلحظة صمت عمّت المكان، وإذا بصديقتي تنظر إليّ نظرة، ولسان حالها يقول: يا ليت الأرض تنشقّ وتبتلعني ، فأدركت حينها بأنّ الشخصين العراقيّين الموجودين معنا هم من الشيعة، بل إنّي علمت فيما بعد بأنّ الرجل الكبير (رحمة اللّه عليه) هو من أكابر الشيعة في بغداد ، وكان يشغل منصب رئيس محكمة التمييز بالعراق ، وساهم في إدخال العديد من أصول الفقه الإمامي إلى القضاء في العراق .

ولا أذكر أنّي أحسست بالخجل من نفسي حينها، إن لم يكن قناعة منّي بأنّي على خطأ، فعلى الأقلّ احتراماً لوجودهم معنا ، لقد اعتذرت له متذرّعة بأنّي لا أعلم بأنّهم شيعة ، وأنّه أوّل مرّة في حياتي أرى شيعة ، وأنّي كنت أتخيّلهم بصورة قبيحة ، إلاّ أنّي بنفس الوقت لم أتراجع عن موقفي ، فقد بدأت أستفسر منه عن سبب التشويه الكبير في عقيدتهم، وكيف أنّهم في عصرنا هذا لازالوا يمارسون عبادات وشعائر متخلّفة، وسألته حول صلاتهم وصيامهم وعقائدهم، ولكن كان أسلوبي هذه المرّة مخفّف قليلاً ، ولكنّ السيّد(رحمه الله) استوعبني واستوعب الخلفيّة التي أتكلّم من خلالها.

المفاجئة في كتب السنّة:

قد يكون أحد الأسباب التي ساهمت في تشيّعي كإنسانة عاديّة من عامّة الناس، هو ذلك التضليل الرهيب لتاريخ آل البيت سلام اللّه عليهم مقابل تلك الإيماءات التي نمينا عليها من أمجاد الدولة الأمويّة والعبّاسيّة، وتهميش دور الإمام عليّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام، وتعظيم دور خصومه، إضافة إلى الرزايا المخجلة التي حلّت بأهل الكساء سلام اللّه عليهم (عليّ وفاطمة والحسن والحسين)، مقابل إبراز أدوار طواغيت على أنّهم أصحاب المجد الغابر، والفتوحات الإسلاميّة، وإعلاء كلمة اللّه، بينما هم أهل خمر وميسر وغواني ، لازلت أذكر تلك اللحظات التي كنت أقضيها في المكتبة أبحث حول تلك النصوص التي أومأ لي بها ذلك السيّد، فاكتشفت مخاز وعار يجرّ عار! يا ربِّ، يا إلهي، كيف لنا أن نواجهك بكلّ تلك البلايا؟ كيف كان للصحابة والتابعين والسلف (الطالح) أن يوصلنا إلى هذه الهاوية ، يا ويلي عندما كنت أقرأ عن حديث الثقلين مثلاً، وأجد قوّة تواتره وصحّة سنده في أمّهات صحاحنا وكتبنا كنت أتعجّب، فربط سريع وبسيط بينه وبين أحاديث أخرى وآيات كريمة توحي للإنسان بديهيّاً بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان ليترك الأمّة الإسلاميّة تعبث بمصيرها الأهواء، وتهوي بها الأقدار ، فكان لاكتشاف هذه الأمور أثناء إثارة كبيرة لخليط من المشاعر لم أستطع التخلّص منه ليومي هذا ، وهو الاستغراب والحزن والتمرّد، ثورة تأججّت بداخلي ، فحالي كان كمن كان يعيش في غفلة من أمره طوال عمره ضالّ ومضلِّل ، ثمّ صعق على وجهه بضربة هوت به إلى الأرض تبعها لحظة صمت ، وتأمّل، ثمّ انطلق بهدوء إلى نحو يستردّ به كرامته وإنسانيّته وكبرياءه .

حقّاً فما نكتشفه من إرث مدفون في أمّهات كتبنا كنّا غافلين عنه بإرادتنا، أو مضلَّلين عنه رغماً عنّا، لهو الحقّ المسلوب والإسلام والسلام المنشود ، إنّه المدينة الفاضلة التي ضاعت أعمدتها بين أحضان أحقاد قريشيّة دفينة، وأطماع أمويّة وعبّاسيّة مشينة، ومصالح شخصيّة مادّيّة أو سياسيّة لعينة ، وصلت بنا في يومنا هذا للوقوف على أطلال المجد التليد، ننعى الإسلام، ونصرخ: أدركنا يا صاحب الزمان، وما نعلم بأنّنا نقف فوق ركام يضمّ بين ثناياه كنز دفين ، إرث آل البيت العظيم عن جدّهم رسول اللّه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)إرث إن وقفت عليه تدرك معنى الحياة الدنيا الفانية كمحطّة للحياة الآخرة الباقية.

التشيّع ومرحلة الحضانة:

بعد نهاية مرحلة البحث الأوّليّة، والتي لم يكن عليَّ فيها سوى أن أحكّم عقلي، فقد واجهت العديد من النصوص التي يحتجّ بها الشيعة ، ولكنّ شرحها لا يؤدّي المعنى الذي يقولون به الشيعة الإماميّة ، بعضها كنت لا أقتنع به واتّبع ما يمليه عليّ عقلي وقلبي ضمن المنطق ، وبعضها كنت أقف حائرة أمامها أو أنّي كنت أتركها يقيناً منّي إلى أنّي لست ذات اطّلاع واسع بأمور العقيدة، فآثرت على نفسي أن أفهم الإسلام بالإجمال أوّلاً ، ثمّ أنقد ما يعترضني من تفسير أو شرح وكان لابدَّ أن ألجأ إلى العديد من الأخوة; للاستيضاح حول ما قد اضطرب أمامه...

ثمّ أهداني أحدهم كتاب "ثمّ اهتديت" الطبعة الأولى ، وأذكر أنّي كنت أقرأ الكتاب ، وكأنّي التّهمه التهاماً، ففي البداية شعرت بأنّ هذا الكتاب كمن كان قد دخل إلى عقلي وجمع التساؤلات التي فيه وأورد الإجابة عليها ضمن كتاب ثمّ اهتديت ، وشعرت بأنّ الدكتور التيجاني كان بمثابة الأب أو الأخ الناصح الذي رأف لحالي للحيرة التي وقعت بها جرّاء بحثي والتردّد في أمر التشيّع وولاية أمير المؤمنين ، فكان كتاب ثمّ اهتديت بمثابة إعلان لولايتي لأمير المؤمنين سلام اللّه عليه والاعتراف بحقّه المغتصب ، فكان الدكتور التيجاني حفظه اللّه بمثابة المحطّة الثانية بعد عمّي السيّد في درب النور ونور الولاية.

وأذكر أنّي في تلك الليلة التي قرأت فيها كتاب الشيخ التيجاني أغلقت الكتاب وقلت: "أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأنّ عليّاً وليّ اللّه".

وهكذا ومنذ عام 1991م بقي أمر تشيّعي مخفيّاً عن الجميع، وبدأت أبحث في بعض الأمور الفقهيّة اليوميّة المطلوبة من المرء فطالما اقتنعت بالولاية أوّلاً ، وبالمذهب الجعفريّ ثانياً ، إذن عليّ الاقتداء بالسنّة المنقولة لي من أهلّ السنّة (الشيعة الاماميّة) ، وكان في تلك الأثناء أن عاد عمّي السيّد مرّة ثانية إلينا بعد عام من مقابلته أوّل مرّة فعلم بأمر تشيّعي وبارك لي هذه الهداية والهديّة الكريمة من ربّ العالمين ، وشرع يعلّمني الوضوء على أصوله، والصلاة والفرائض والنوافل والمستحبّات والصوم، وما إلى ذلك من أمور رئيسيّة.

وبعد فترة خطبني لابنه، وتمّ الزواج بشيعي كما كانت رغبتي ، لكي أعيش في نفس الجوّ الإيماني الذي بدأت أشحن به وبعد ثلاث سنوات رزقت بالسيّد الصغير وبعدها رحل أبوه عن دنيانا إلى رحمة اللّه. وبالتالي لم يعد لديّ أيّ مصدر يساعدني في الحصول على الكتب مثلاً أو أشرطة محاضرات والمناظرات المسجّلة، فتوقّفت قليلاً على الكتب القليلة التي لديّ أقرأها بين الفينة والأخرى إلى أن تعلّمت الإنترنت ، وبدأت البحث عبر الإنترنت فوجدت ضالّتي والحمد للّه.

وكان دافعي إلى ذلك هدفين أوّلهما: أن أزيد ثقافتي المذهبيّة الإماميّة التي كانت بحدِّ ذاتها متعة ما بعدها متعة ، والهدف الثاني أن أحصّن نفسي من أجل ولدي ، فنحن نعيش في بيئة بعيدة أوّلاً عن التشيّع، بل انّها تكفّر الشيعة، وبعيدة أصلاً عن التديّن والالتزام ، فكان لابدّ لي أن أجد الوسيلة التي أجهّز من خلالها مائدة عامرة بما لذَّ وطاب من إرث الأحباب ، إرث أهل البيت سلام اللّه عليهم، وأعلّمه كيف يدافع عن دينه وعقيدته وعن جدّه وسلالته الطاهرة، والحمد للّه، أعتقد بأنّي أزرع الزرع الصّالح فأرجو اللّه تعالى أن يكون الحصاد أصلح وأفلح بإذنه تعالى.