منصف الحامدي
منصف الحامدي
ولد عام 1966م بمدينة " سيدي خليف " في دولة تونس، من أسرة تعتنق المذهب المالكي، واصل دراسته الأكاديمية حتى نال شهادة الديبلوم في الهندسة الميكانيكية، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات لهذا الفرع.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1984م في مدينة " سيدي بو زيد " التونسية.
البحث الجاد والمعمّق:
كان دأب الأخ منصف التساؤل والبحث والاستفهام لاسيما في الأمور العقائدية والفكرية، ومن هذا أندفع للبحث الجاد والمعمق حتى آل به الأمر في نهاية المطاف إلى الاستبصار.
فيقول الأخ منصف: " قد لا تحمل قصة استبصاري شيئاً مثيراً ولا تضم في طياتها ما يلفت النظر، ولا سيما أنّها تحمل أموراً شخصية لا أحبذ الخوض فيها، ولكن أكتفي بالاشارة إلى الحركة الفكرية التي دفعتني إلى تغيير ركائزي العقائدية وصياغة مبادئها من جديد وفق الأسس التي توصلت إليها عبر البحث والتحقيق.
كان منشأ هذه الحركة هو مجموعة تأملات ونقاط استفهام طرحت نفسها لتكون دافعاً نحو البحث، وعندها طوّعت نفسي لرحلة استمرت سنوات، قرأت فيها جملة من كتب أبناء العامة المعتبرة عندهم، لأرفع بذلك الاستفهامات العالقة في ذهني، فاكتشفت عبر ذلك الكثير من الحقائق التي لم أكن مطلعاً عليها من قبل ".
البحث عن الفرقة الناجية:
ويقول الأخ منصف: " في الحقيقة كان لاستقامتي في البحث أثر في استبصاري، فكنت كثير التساؤل والاستفسار، وكان من جملة التساؤلات التي كان البحث عنها ذا تأثير كبير في صياغة مرتكزاتي العقائدية الجديدة هو الحديث المشهور المروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ أمته تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّهم في النار إلاّ فرقة واحدة(1).
ومن هذا الحديث أنطلقت نحو البحث والتتبع، لعليّ أصل إلى معرفة هذه الفرقة الناجية، وقد كنت مهتمّاً لإيماني أنّ عدم معرفة هذه الفرقة يعني الهلاك في النار، لذلك انطلقت في البحث بعزيمة قويّة وأصرار لكي أصل إلى النتيجة بعون الله سبحانه وتعالى.
وكان لابد لي من معرفة أسباب وتاريخ حدوث الفرقة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّها تمثّل لي معرفة جذور الانحراف التي منها تتبين معالم الفرق الضالة بعد معرفة أسباب نشأتها ودوافع ظهورها في الساحة الإسلامية ".
أثر رزية الخميس في نشوء الفرق الإسلامية:
يتجلى لكل متصفح في أحداث الصدر الأوّل للإسلام أنّ أهم الأسباب والدوافع التي كان لها الأثر الكبير في إحداث الفرق ونشوء المذاهب هي رزيّة يوم الخميس، وهي الحادثة التي وقعت في أواخر حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كان لها بالغ الأثر في نشوء الاختلاف والفرقة بين المسلمين.
وقد ذكر هذه الحادثة كل من كتب التاريخ ودون الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم بأحاديث صحيحة:
فأخرج البخاري عن ابن عباس، قال: " لما اشتدّ بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، قال: " ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده "، قال عمر: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغظ، قال: " قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع "، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبين كتابه "(2).
وعنه أيضاً بسنده عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: " يوم الخميس، وما يوم الخميس!! اشتد برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، فقال: " ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً " ـ فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ـ فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه. فذهبوا يردون عليه، فقال: " دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه "، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال: نسيتها "(3).
وعنه أيضاً عن ابن عباس قال: " لما حُضِرَ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال ـ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ: " هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ". فقال عمر: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا... " الحديث(4).
وأخرجه البخاري أيضاً في كتاب الاعتصام(5)، وكتاب الجزية(6) وكتاب الجهاد(7) بألفاظ متقاربة.
وأخرج مسلم في الصحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنّه قال: " يوم الخميس! وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خدّيه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ". فقالوا: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يهجر "(8).
وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند في مواضع متعددة(9).
دلالات رزيّة الخميس:
مما يلاحظ في هذا الحديث من قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) " أئتوني بكتاب " لم يكن الأمر للإرشاد وإنّما هو دال على الوجوب، وذلك:
أوّلاً: إنّ قول " لا تضلوا " يشير إلى أنّ الكتاب الذي كان يريد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كتابته إنّما هو يوجب العصمة من الضلال، وهو أمر يجب الحصول عليه امتثالاً لأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولأهمّية مضمونه.
ثانياً: إنّ استياء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من فعلهم، وأمره لهم بالقيام، مع سعة ذرعه وشدّة تحمله وعظيم خلقه، دليل على أنّهم ارتكبوا أمراً عظيماً ما كان لهم أن يقترفوه.
ثالثاً: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان في حالة الاحتضار، فهو مشغول بنفسه ويصعب عليه كتابة الكتاب، وهذا يوحي أنّ المقام لم يكن مقام الأوامر الإرشادية، بل أنّه يستوجب الأوامر الالزامية المهمّة.
رابعاً: موقف ابن عباس وتوصيفه للحادثة بالرزية وبكاؤه بعد أنقضاء الحادثة دليل عن أنّ مخالفة أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان فعلاً محرّماً قد فقدت الأمّة خلاله أمراً كان يستهدف عصمتها من الضلال.
ومن هنا فإنّ استصغار البعض للحادثة، إنّما هو محاولة لتبرير موقف عمر ومعارضته لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)!، وهذا التبرير لا يصلح أن يكون قرينة لما يبتغوه، لأنّ عمر كان كثيراً ما يعترض على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف كثيرة ومشهورة.
مخالفات عمر للسنة:
ذكر البخاري فيما أخرجه عن المسور بن مخرمة ومروان في حديث طويل ساق فيه خبر صلح الحديبية، قال: " فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبيّ الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: ألست نبيّ الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية(10) في ديننا إذاً؟ قال: إنّي رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنّك آتيه ومطوّف به، قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر... " الحديث(11).
وفي رواية أخرى أخرجها البخاري أيضاً " أنه قال: فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر... "(12).
وفي رواية مسلم: " فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا، فأتى أبا بكر... "(13).
وهذا الموقف لعمر دلالة واضحة على مجادلته ومناقشته للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنّه رجع متغيظاً من قول الرسول وغير راض بما سمعه منه (صلى الله عليه وآله وسلم).
كما لا يحق لعمر الاجتهاد في أمر قد قضى الله ورسوله فيه بالصلح، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَما كانَ لِمُؤمِن وَلا مُؤمِنَة إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الاحزاب:36).
ومن معارضات عمر أيضاً جرأته على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته عندما أراد الصلاة على عبد الله بن أبي رأس المنافقين فجاء عمر فجذبه من خلفه، وقال: ألم ينهك الله أن تصلي على المنافقين! فقال: إني خيّرت، فاخترت فقيل لي: (استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغفِرَ اللهُ لَهُم) (التوبة:80)، ولو أعلم أني إذا زدت على السبعين غفر له لزدت. ثم صلى عليه، ومشى معه، وقام في قبره، فعجب الناس من جرأة عمر على رسول الله(14)!.
وبهذا يتضح لنا أنّ موقف عمر ازاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في رزيّة الخميس لم يكن مما يبعثنا على الاستغراب أو استبعاد ما صدر منه.
وهذا الأمر لم يتعلق بشخص عمر وحده، إذ لو كان كذلك لأسكته رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل استفحل الأمر واستشرى ووجد له أنصاراً قد اتفقت كلمتهم على منع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابة ذلك الكتاب، وكأنهم نسوا أو تناسوا قول الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعض أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم وَأَنتُم لا تَشعُرُونَ) (الحجرات:2).
لماذا لم يكتب الرسول الكتاب:
إنّ سبب عدم كتابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الكتاب، لأنه وجدهم قد طعنوا به وهو لايزال على قيد الحياة، فإذا كان كذلك فكيف يكون الأمر بعد وفاته!.
والحقيقة أنّ الذين منعوا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة ذلك الكتاب لم يفعلوا ذلك إلاّ لأنّهم علموا أنّ الرسول يريد أن يؤكد استخلاف عليّ بن أبي طالب من بعده. ولأنّه سبق لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن قال: " إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا "، وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه: " هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده "، ففهم الحاضرون أنّ الرسول يريد أن يؤكد ماذكره فيما سبق وهو التمسك بالكتاب وعترته، وسيد العترة هو عليّ(عليه السلام)، وأغلبية قريش لا يرضون بعليّ(عليه السلام)، فتقدمهم عمر ليصرح برفضه للعترة قائلاً: " حسبنا كتاب الله ".
أثر رزية الخميس بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):
تعتبر رزية الخميس أوّل بروز رفض خلافة عليّ(عليه السلام)! حتى ظهر بصورة عملية بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) واتفقت آراء رؤساء القوم على عدم الائتمار بقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال.
ومن هنا بدأت الفرقة في أوساط الأمة الإسلامية بدأت واتسعت يوماً بعد يوم حتى ظهرت البدع نتيجة الأهواء لفقدان الساحة للخلافة الرشيدة الموجهة للمسلمين، حيث مهّدت الأرضية لوقوع الخلافة بيد بني أميّة أئمة الضلال، ووقع التحريف في شريعة سيد المرسلين، ونشأت الفرق وابتلت الأمة الإسلامية بأئمة الجور والضلال.
وكان سبب وقوع كل هذا الكم الهائل من التشتت والتمزق في الساحة الإسلامية هو عدم تلبية أولئك الصحابة في قبول من يعصم الأمة من الوقوع في الضلال.
البحث لمعرفة الإمام:
يقول الأخ منصف: " وهكذا بدأت تتجلى لي بوضوح أسباب نشأة الفرق في الإسلام، كما عرفت أنّ الخلافة التي أرادها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن كما ذهب إليه أبناء العامة، بأنّها مسؤولية إجتماعية ترتبط بحفظ شؤون النظام، بل هي شكلا من الولاية الإلهية وعهد إلهي كالنبوّة لمن يصطفيه الله من عباده، مع التأكيد على فارق هام هو أنّ النبوّة تأسيس للرسالة والإمامة حراسة لها ".
ويضيف الأخ منصف: " خلال مطالعتي للأحاديث النبوية الشريفة قرأت قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "، فدفعني ذلك لمعرفة إمام زماني، فطالعت جملة من كتب الفريقين حتى تجلّت لي حقيقة وجود الإمام المهدي(عليه السلام) بوضوح، وكنت أنذاك في المرحلة الأولى في معهد الهندسة الميكانيكيّة.
وبمرور الزمان اكتملت صورة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في ذهني، فعرفت أنّ الإمام الذي جعله الله بلطفه حجّة على العباد، كما عرفت أنّ السبب الذي حجبنا عن رؤيته والاتصال به هو الظروف المتردية الحاكمة على المجتمع، وأنّه تعالى قد تمت حجّته على العباد، وأنّه عزّوجلّ حذّر الناس من الوقوع في الفتن التي تمنع وصول ألطافه تعالى إلى العباد، وذلك بقوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً) (الانفال:25).
تأثّره بكتاب الاحتجاج:
تأثّر "منصف الحامدي" بكتاب الاحتجاج ـ تأليف الشيخ الطبرسي (من علماء القرن السادس) ـ كثيراً، وكتاب الاحتجاج ـ كما ورد في مقدّمة بقلم العلاّمة جعفر السبحاني ـ "ضمّ بين دفتيه احتجاجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة في شتى المجالات وأناروا لطلبة الحقّ والحقيقة طريق الهدى، كما قطعوا الطريق على أهل اللجاج، وبذلك انتشرت علومهم، وفضائلهم، وليس لهذا الكتاب مثيل في مؤلّفات أصحابنا، حيث جمع في كتاب واحد ما وصل إليه من مناظراتهم، إلاّ أنّه ربما يؤخذ عليه بعض الأشياء لا بأس بالتنويه عليها:أكثر ما أورده في الكتاب من المناظرات مراسيل لا مسانيد.
إنّ المؤلّف يجيب عن هذا الإشكال بقوله: "ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده، إمّا لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلّت العقول عليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المؤالف والمخالف، إلاّ ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري(عليه السلام) فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه وإن كان مشتملاً على مثل الذي قدّمناه فلأجل ذلك ذكرتُ إسناده في أوّل جزء من ذلك دون غيره، لأنّ جميع ما رويت عنه، إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها(عليه السلام)في تفسيره(15).
والسند الذي روى به احتجاجات الإمام العسكري ذكره في أوّل الكتاب على النحو التالي:
حدّثني السيّد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي(رضي الله عنه)قال: حدّثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي(رحمهم الله)قال: حدّثني أبي محمّد بن أحمد، قال: حدّثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(رحمهم الله)، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن القاسم المفسّر الاسترابادي، قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمّد ابن زياد وأبو الحسن علي بن محمّد سيّار ـ وكانا من الشيعة الإمامية ـ قالا: حدّثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري...
وبهذا الاسناد الذي ذكره في أوّل الكتاب، أخرج ما رواه عن الإمام الحسن العسكري وأشار إليه في الباب الخاصّ به.
وسواء كان ما اعتذر به المؤلّف مقبولاً أو غير مقبول ن فقد عولجت هذه النقيصة في هذه الطبعة على القدر المستطاع، حيث قام المحقّقان لهذا الكتاب بإرجاع مراسيلها إلى المسانيد، وذلك بالغور في كتب مشايخنا الإمامية، كالكافي للشيخ الكليني، وكتب الصدوق المختلفة، وغيرهما، وبذلك أصبحت جلّ أحاديثه مسندة، خارجة عن الإرسال.
على أنّ ما اعتذر به المؤلّف عذر مقبول ; وذلك لأنّ المسائل العقائدية تختلف عن المسائل الفرعية العملية، فالمطلوب في الثانية هو العمل وإن لم يكن هناك يقين بالصحّة، وهذا بخلاف الحال في الأولى، فإنّ المطلوب فيها هو الاعتقاد والإذعان، وهو رهن قوّة البرهان ورصانة الحجّة. فلو توفّرت فيه لنال الإنسان ضالتّه المنشودة وإلاّ فلا، من غير فرق بين كونه مسنداً أو مرسلاً، فلأجل ذلك ترك المؤلّف الإسناد، ورواها بالشكل المرسل اعتماداً على مضمون الحجّة، وقوّتها.
انّ موقف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة في عامّة المناظرات، هوموقف المعلّم المحايد، والمرشد الناصح، وهو يعتمد على قوة العارضة وحصافة الرأي، لا على كونه نبيّاً موحى إليه أو وصيّاً قائماً مقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولولا اتّخاذ ذلك الموقف لما أنتجت تلك المناظرات وصارت عقيمة، وعلى ضوء ذلك، فالاعتماد إنّما هو على المضمون والمحتوى، سواء أصحّ إسناده إلى المعصوم أو لا.
أضف إلى ذلك أنّه ليس علينا ردّ المراسيل بما أنّها مراسيل، وكيف يكون ذلك، فإنّ الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: "لا تكذّبوا الحديث إذا قام به مرجئيّ ولا قدريّ ولا حروريّ، ينسبه إلينا، فإنّكم لا تدرون لعلّه شيء من الحق، فيكذّب الله فوق عرشه"(16)(17).
اجتياز بعض العقبات المانعة من الاستبصار:
يقول الأخ منصف: " إنّ من أهم الأسباب الموجبة للاهتداء ومعرفة الحقّ التقوى، وذلك لقوله تعالى: (إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقاناً) (الانفال:29)، والفرقان هو النور الذي يقذفه الله في قلب الأتقياء فيتمكنوا به أن يميّزوا بين الحقّ والباطل، وبه يكشف الله الحجب عن فطرتهم لتميل قلوبهم وتندفع إلى الحقّ.
والعامل الوحيد الذي يدفع الإنسان للبحث عن الحقيقة بإخلاص ومن دون نيل أغراض أخرى الشعور بالحاجة إلى الهداية، وهو شعور ينطلق من الفطرة السليمة ومن النفس التي هذبها صاحبها لتكون مستعدة لتلقي الحقائق.
ولهذا بذلت غاية جهدي لأعيش حالة الاتصال الدائم بالله، وأظن أن هذا الرصيد المعنوي هو الذي مكنني للاهتداء والاستبصار، والذي جعلني متمكناً من التغلب على جميع الموانع التي اعترتني في هذا الطريق ".
وحيث كان الأخ منصف مجيداً للغة الإنجليزية والفرنسية أتاح له ذلك أن يوسع دائرة عمله التوجيهي في التبليغ والحوار مع الجاليات المختلفة، وهذا الأمر دفعه لمواصلة تتبعه في البحث والتوسع في معارف أهل البيت(عليهم السلام)ومنحه الرؤية الشمولية التي تمكّن بها من مواصلة طريق السمو والكمال في عبودية الله تعالى. (1) هذا الحديث كثر نقله في المجاميع الحديثية، وكثر تصحيحه فيها، بل ادعى غير واحد من الأعلام تواتره وقد أخرج بعبارات مختلفة كما في: سنن الترمذي: 4 / 381 (2641) كتاب الايمان، سنن أبي داود: 4 / 202 (4597) كتاب السنة، سنن ابن ماجه: 2 / 932 (3992) كتاب الفتن، مسند أحمد بن حنبل: 2 / 332، 3 / 120، 145، مستدرك الحاكم: 1 / 47 (10)، الجامع الصغير للسيوطي: 1 / 184 (1223، 083 1) و 1 / 516 (2641)، مجمع الزوائد للهيثمي: 1 / 189، وقد صحح هذا الحديث الترمذي في سننه، والبغوي في شرح السنة، والسخاوي في المقاصد الحسنة، والشاطبي في الاعتصام، وادعى السيوطي تواتره على ما ذكره المناوى في فيض القدير، وكذا الكتاني في نظم المتناثر. (2) صحيح البخاري: 1 / 54 (114) كتاب العلم، باب كتابة العلم. (3) المصدر نفسه: 4 / 1612 (4168) كتاب المغازي باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته. (4) المصدر نفسه: 5 / 2146 (5345)، كتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني. (5) المصدر نفسه: 6 / 2680 (6932)، كتاب الاعتصام، باب كراهية الخلاف. (6) المصدر نفسه: 3 / 1155 (2997)، كتاب الجزية، باب اخراج اليهود من جزيرة العرب. (7) المصدر نفسه: 3 / 1111 (2888)، كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم. (8) صحيح مسلم: 3 / 1259 (1637)، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شي يوصي فيه. (9) مسند أحمد بن حنبل: 1 / 222، 293، 324، 336، 355. (10) الدنية: أي الخصلة المذمومة. (11) صحيح البخاري: 2 / 968 (2581)، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب. (12) صحيح البخاري: 4 / 1832 (4563)، كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة الفتح. (13) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير: 3 / 1411 (1785)، وأنظر: مسند أحمد بن حنبل: 3 / 486، 4 / 330. (14) أنظر: شرح النهج لابن أبي الحديد: 3 / 107 ـ 108، صحيح البخاري بحاشية السندي: 1 / 163 ـ 3 / 137 ـ 4 / 25، صحيح مسلم: 4 / 2114، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، تاريخ المدينة المنوّرة لابن شيبة: 3 / 856، كنز العمال للمتقي الهندي: 2 / 418 ـ 419، أسباب النزول للواحدي: ص 141، مسند الإمام أحمد 1 / 16، سنن ابن ماجة للقزويني: 1 / 487 ـ 488، مسند أحمد بن شعيب النسائي: 4 / 67 ـ 68، حلية الأولياء لأبي نعيم: 1 / 43 ـ 44، السنن الكبرى للبيهقي: 3 / 402، السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 197 الرياض النضرة للمحب الطبري: 1 / 294. (15) الاحتجاج، الشيخ الطبرسي 1: 10. (16) المحاسن 1: 230، ح175. (17) الاحتجاج، الطبرسي 1: 17 ـ 20.