الكه اشميت
الكه اشميت (فاطمة)
ولدت عام 1965 م في "ألمانيا"، ونشأت في ظلّ عائلة تعتنق المذهب الپروتستاني المسيحيّ.
فترة المراهقة:
تقول "الكه اشميت": لم تكن لنا صلة يعتدّ بها بالدين والقضايا المذهبيّة، سوى أنّني كنت في الصغر أذهب مع أمّي إلى الكنيسة، واستمع إلى المواعظ التي يلقيها علينا القسيس.
ولكنّني لصغر سنّي كنت لا أفهم ما يقوله القسّيس، وكان معظم ما يلفت انتباهي هو التزيين البديع الذي كانت الكنيسة قد تلبّست به .
كنت ذلك الحين لا أعرف أنّ العظمة الظاهريّة للأمور ليست دليلاً على عظمتها الحقيقيّة، فكنت منبهرة بظاهر الكنيسة وجمالها الخارجيّ.
وحينما بلغت الرابعة عشر من عمري كنت افتقر إلى وعي يردعني عن التصرّفات التافهة، ويصونني من الانجراف بالتّيار المدمّر لكرامة الإنسان في مجتمعنا، ذلك التيّار الذي فرض على المرأة أن تهتمّ دائماً بمظهرها وزينتها، وعرض مفاتنها للآخرين.
بداية التوجّه الديني:
تضيف "الكه اشميت": لم أكن أمتلك في فترة المراهقة ذلك الوعي ; لأنّني كنت أعيش في أوساط أجواء لم تمنحنا الثقافة المطلوبة، ولكن صادف في الإعداديّة أن أقيم صفّاً لتعليم الأمور الدينيّة، وكان الدافع في البدء للحضور في هذا الصف أوّلاً لأنّه كان بمثابة احتفال نجتمع فيه، فيأنس بعضنا مع بعض، وثانياً للجوائز التي كانت تعطى للطلبة في ذلك الصف نتيجة حفظهم لبعض فقرات الإنجيل.
ولكنّني بمرور الزمان أدركت أهمّيّة هذا الصف، ودوره في إنشاء الوازع والمانع لارتكاب بعض الأمور المتدنّية التي لا تليق بكرامة الإنسان.
ومن ذلك الحين ازدادت صلتي بالدعاء، فكنت أجلس وحيدة في غرفتي، فالتجىء إلى خالقي وبارئي فاناجيه، وأشكو اليه همومي، وكانت تلك اللحظات عندي من أسعد اللحظات.
تقوية البنية العقائديّة:
تقول "الكه اشميت": بمرور الزمان كثر توجّهي إلى الأمور الدينيّة، ولكنّني بدأت أعاني من بعض الشبهات التي كنت لا أجد لها حلاًّ، وكان دأب أستاذنا الدينيّ أنّه يحذّرنا من الوقوع في الشكّ، فكان يقول: لا ينبغي الاعتراض والتشكيك في المسائل الدينيّة، ولا بدّ من قبولها تعبّداً وعدم الاستفسار عن حكمتها.
وسألته ذات يوم: إنّ الأمور الدينية التي نتلقّاها منكم، يرتكز اهتمامها في الجانب النظري فقط، فهي لا تعطّينا حلاًّ لكيفيّة التعامل مع الواقع الخارجيّ، وكيفيّة إصلاحه، وإعادة بنائه وفق الرؤية الدينيّة، فمعظم توجيهاتكم تشمل جانب واحد من جوانب النفس الإنسانيّة، وتهمل الجوانب الأخرى، وهذا ما يجعلنا نعاني دوماً من حالة فقدان التوازن نتيجة عدم تمكّننا لإنشاء حالة الوفاق بين الجوانب المتعدّدة لكياننا.
فنهرني الأستاذ ووبّخني على مقالتي هذه، وحذّرني من العودة إلى ذكرها مرّة أخرى.
وكان يعيش في منطقتنا بعض المهاجرين الإسلاميّين، وكنت التقي بهم في بعض الأحيان، فاستفسرت من الأستاذ في احد الأيّام عن أصحاب باقي الانتماءات الدينيّة.
فقال: جميع الأديان غير المسيحيّة باطلة.
فقلت له: وما مصير الذين ينتمون إليها .
قال: كلّهم قد حقّت عليهم كلمة العذاب، وشملتهم لعنة الله!
فتفاجأت من مقولته كثيراً، وقلت له: اذاً فلا يوجد داعي للبحث عن مبادئ الانتماءات الأخرى، وأخذ الأفكار النافعة منها.
فقال: أيّ انتماء تقصدين؟
فقلت: هنالك عائلة إسلاميّة قد تعرّفت عليها، فاحببت أن اطّلع على بعض رؤاهم الفكريّة.
فقال لي الأستاذ: الإسلام دين مولع بالحرب والعنف والتطرّف، وهو ينظر إلى المرأة نظرة احتقار، ولهذا فهو يسلب حقوق المرأة، ويحاول أن يتعامل معها معاملة السيّد مع عبده.
فقلت له: ما الضرر في أن يتعرّف الإنسان على مبادئهم; ليوسّع بذلك دائرة معلوماته الثقافيّة.
فقال لي: إنّني أخشى عليك من التسمّم المعرفي!
فقلت في نفسي إنّ هذا التحذير ينافي شعار الحرّيّة الذي ننادي به ليل نهار، فشبابنا يتوجّهون إلى ارتكاب الرذائل، والأعمال المنحطّة، ولا يردعهم أحد، ولا ينهاهم أحد من هذا التسافل والانهيار، ولكن لما يبلغ الأمر إلى الفكر، ويودّ أحدنا أن يرفع مستواه الفكريّ يقف البعض أمام وجهه فيردعونه عن ذلك مدّعين أنّهم يخشون عليه لئلاّ يقع في الضلال.
من ذلك الحين قرّرت معرفة الدين الإسلاميّ، وكان معظم دافعي في هذا المجال هو الحصول على بعض المعارف لأسدّ بها الثغرات الموجودة في البناء الفكريّ المسيحيّ الذي كنت متمسّكةً به.
فراجعت الكتب والصحف والنشريّات، وتابعت البرامج التلفزيونيّة المرتبطة بهذا المجال، ولكنّني لم أجد فيها سوى التشنيع ضدّ الإسلام، وبقيت على هذا المنوال حتّى بلغت التاسعة عشر من العمر، مرحلة المراهقة والبحث عن الاستقلال والحرّيّة الفرديّة، فازدادت تصرّفاتي الطائشة وأعمالي المتهوّرة ممّا سبّبت لي الكثير من المشاكل مع أبي وأميّ.
واستمرّ بي الأمر على هذا المنوال حتّى سئمت الحياة، وشعرت بتفاهة تصرّفاتي، وعدم اتّزانها، ففكّرت في نفسي قائلة: إلى متى تريدين مواصلة السير في هذا الطريق الوعر المليء بالفتن والمشاكل والاضطرابات، ألم يأن لك أن تتوجّهين إلى إصلاح نفسك وتهذّيبها لتعيشين في ظلّ حياة هادئة مليئة بالقيم والأخلاق والنزاهة.
فعزمت الجدّ مرة أخرى، وتوجّهت إلى الأمور الدينيّة، وقرّرت مواصلة أبحاثي الدينيّة التي قمت بها سابقاً.
التعرّف على الإسلام:
كان في مجال دراستي للدين الإسلامي أنّني قرّرت اتّخاذ منهجاً آخر في هذا المجال،فنشرت إعلاناً في إحدى المجلات النسويّة وأبديت فيه رغبتي للتعرّف على بعض النساء المسلمات، والتحدّث معهنّ حول الإسلام. فاستطعت بهذه الطريقة أن أتّصل بأربعة من الأخوات المسلمات عبر البريد، وبذلك تمكّنت أن أتعرّف على الإسلام بالصورة المطلوبة.
ثمّ قرأت ترجمة القرآن فوجدته كتاباً فيه نور وهداية، وكنت كلّما أُكثر من قراءته ازداد خشوعاً وخضوعاً إلى ربّي، حتّى استنارت بصيرتي، وتفتّح عقلي بعد أن تحطّمت في نفسي أغلال الشرك والضلال.
وتبيّن لي بعد ذلك بأنّ الإسلام يكنّ للمرأة المنزلة الرفيعة، وأنّه لم يأمرها بالحجاب إلاّ ليصونها بذلك من أعين الذين في قلوبهم مرض، والحجاب يضفي على المرأة هالة من الوقار والاتّزان، والإسلام لم يسحق كرامة المرأة باسم الحرّيّة والشعارات البرّاقة ليجعلها سلعة رخيصة بيد الرجال الانتهازيّين.
استبصارها:
تقول الكه اشميت: فلمّا زالت عن بصيرتي كافّة الحجب الداكنة، أعلنت إسلامي وفق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ; لأنّني وجدت عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أقرب الناس إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) روايات كثيرة في حقّهم، فلهذا فضّلت الانتماء إليهم ومن ثم سمّيت نفسي "فاطمة".
ولمّا علمت أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، أحسست براحة نفسيّة لا مثيل لها، وشعرت أنّ حملاً ثقيلاً قد أزيل عن عاتقي.
وكانت هذه الراحة النفسيّة هي عوني في مواجهة القوى المعاكسة التي وقفتْ بوجهي; لتمنعني من مواصلة الطريق الذي اخترته لنفسي.
ردود الفعل بعد الاستبصار:
كانت من جملة تلك المعاناة التي واجهتها سخط أبي عليّ ; لأنّه تفاجأ لمّا وصل إليه نبأ إسلامي، وحاول بشتّى السبل أن يصرفني عن ذلك، ولكن خابت كافّة محاولاته، فكان دوماً يصرخ بوجهي ويحاول الاستهزاء بي.
ولمّا ارتديت الحجاب الإسلاميّ اشتدّ غضب أبي، وكان يقابلني بالسبّ والشتم، فكنت أتألّم حينما أراه في تلك الحالة ; لأنّني كنت أحبّه، ولا أرضى أن أراه بتلك الحالة، ولكنّني كنت لا أجد سبيلاً للتخلّي عن مبادئي، كما أنّ الإسلام أمرني بعدم إطاعة الوالدين إذا أرادا إيقاعي في وادي الضلال.
وكنت أحاول إقناع أبي، وتبيين الحقائق له، ولكنّه كان لا يفسح لي المجال، وكان يقول: إنّ هذا الدين الجديد سيدفعك إلى العزلة والقوقعة والحياة التعيسة ; لأنّ أبناء بلدك سيبتعدون عنك نتيجة تغيير انتمائك الدينيّ، وحتّى المسلمين فإنّهم سوف لا يعيرون لك اهتماماً، بل يبتعدون عنك ; لأنّك كنت فيما سبق في انتماء آخر، ولكنّني كنت أقول له: إبتاه، إنني أسلمت لله ووجّهت وجهي للذي فطرني فهو الذي يرعاني.
ولكن كان أبي لا يفهم ما أقول; لأنّه كان ينظر إلى الأمور من منظار مادّي بحت، ولكنّني كنت أرى الأمور بنور الله تعالى، وما كان أبي يشعر بالسعادة التي كانت تعتريني نتيجة اتّصالي وقربي بالله عزّ وجلّ، وأملي أن يفتح الله له ولجميع البشريّة التي لم تهتدِ بنور ربّها نافذة ليذوقوا جماليّة هذا النور الربّانيّ .