علي مباركية
علي مباركية
كتب "علي مباركة" في مساهمة بعثها إلى مركز الأبحاث العقائدية:
السلام عليكم ورحمة الله . . . اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد.
إخواني . . . أخواتي: أكتب هذه الكلمات المتواضعة والبسيطة إلى من تمسّك بولاية آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
ترجع قصّة استبصاري وتشيّعي حين كنت أدرس في الثانوية، وكان يدرس معي أحد الشيعة، وكان شخصية مميزة، ولم أر له مثيلاً إلى يومنا هذا من حيث مرتبته العلمية وذكائه وفطنته وحبّه للعلم والتعلّم والمطالعة، وكان شجاعاً لا يهاب أحداً، يعلن تشيّعه أمام كلّ الناس، ولم أر أيّ أحد تمكّن أن يواجهه في المناظرات، وكان حادّ اللسان في الدفاع عن التراث الشيعي، وحافظاً لكتب السنّة ومصادرهم ممّا جعله يقنع الكثير من المخالفين ويفحم العديد من النواصب.
اليقظة من السبات:
يضيف "علي مباركية": في البداية لم أكن مهتماً في تلك الفترة بالتديّن ولا بالتشيّع، وكنت أعيش في نومي العميق في الدنيا وملذاتها وشهواتها، ولكن بعدما تاب عليّ الله ورجعت إلى الدين وكلام الله فكّرت بأوامر ووصايا أخونا العزيز الذي افتقدته وندمت لأنّي لم أكن من أصدقائه ولا من المقرّبين له لاستفيد منه.
التزمت بصلاتي واهتممت بطهارتي، لكن كلام أخونا ترك أثراً بالغاً في وجودي، وتذكّرت كلامه الذي جعلني أبحث عن الحقيقة، فقصدت التعرّف بدقّة على التشيّع، فاستعنت بالكتب الشيعية ومصادرهم، وكان أوّل كتاب هو المراجعات للسيّد عبد الحسين شرف الدين.
الأدلّة الشرعيّة تفرض مذهب أهل البيت(عليهم السلام):
عرف "علي المباركية" خلال قراءته لكتاب المراجعات بأنّ تعبّد الشيعة في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزّب أو تعصّب، ولكن الأدلّة الشرعيّة أخذت بأعناقهم إلى الأخذ بمذهب أئمة أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل، فانقطعوا إليهم في فروع الدين وعقائده، وأصول الفقه وقواعده، ومعارف الكتاب والسنّة، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب، نزولاً على حكم الأدلّة والبراهين، وتعبّداً بسنة سيّد النبيين والمرسلين(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولا دليل لأهل السنّة على رجحان شيء من مذاهبهم فضلاً عن وجوبها، والاجتهاد غير محصور بهم فكيف يمكن أن تكون مذاهبهم واجبة على سبيل التعيين؟!ولا يجرأ أحد بالقول بتفضيلهم على أئمة أهل البيت وهم أئمة العترة الطاهرة، وسفن نجاة الأمّة، وباب حطّتها، وأمانها من الاختلاف في الدين، وأعلام هدايتها، وثقل رسول الله، وبقيته في أمّته، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم"(1)، لكنّها السياسة وما أدراك ما اقتضت في صدر الإسلام.
والعجب من قول أهل السنّة أنّ السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها واتّفقوا على التعبّد بها في كلّ عصر ومصر، وكأنّهم لا يعلمون بأنّ الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل محمّد إنّما دانوا بمذهب الأئمّة من ثقل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يجدوا عنه حولاً، وأنّهم على ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن، حيث لم يكن الأشعري ولا واحد من أئمة المذاهب الأربعة ولا آباؤهم كما لا يخفى.
وأنّ أهل القرون الثلاثة مطلقاً لم يدينوا بشيء من تلك المذاهب أصلاً، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة؟! ـ وهي خير تلك القرون ـ وقد ولد الأشعري سنة 207هـ ، ومات سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة، وابن حنبل ولد سنة 164هـ ، وتوفي سنة 241هـ ، والشافعي ولد سنة 150هـ ، وتوي سنة 204هـ ، ومالك ولد سنة 95هـ ، ومات سنة 170هـ ، وولد أبو حنيفة سنة 80هـ ، وتوفي سنة 150هـ .
والشيعة يدينون بمذهب الأئمّة من أهل البيت ـ وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ وغير الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين، فما الذي أوجب على المسلمين كافّة بعد القرون الثلاثة تلك المذاهب دون غيرها من المذاهب التي كان معمولاً بها من ذي قبل؟! وما الذي عدل بهم عن أعدال كتاب الله وسفرته، وثقل رسول الله وعيبته، وسفينة نجاة الأمّة وقادتها وأمانها وباب حطتها؟!
وما الذي أرتجّ باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة الأُولى مفتوحاً على مصراعيه؟! لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى الكسل والرضا بالحرمان والقناعة بالجهل.
ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ قائلاً بأنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه؟! ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه بأفضل حكمه ونواميسه، ولم يكمل له الدين، ولم يتمّ عليه النعمة، ولم يعلّمه علم ما كان وعلم ما بقي إلاّ لينتهي الأمر في ذلك كلّه إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لأنفسهم، ويمنعوا من الوصول إلى شيء منه عن طريق غيرهم، حتّى كأنّ الدين الإسلامي بكتابه وسنته وسائر بيّناته وأدلّته من أملاكهم الخاصة، وأنّهم لم يبيحوا التصرّف به على غير رأيهم، فهل كانا ورثة الأنبياء أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمّة وعلّمهم علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين؟!
كلا، بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته وسدنته ودعاته، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه، أو يصدّوا عن سبيله، وما كانوا ليعتقلوا العقول والأفهام، ولا ليسلموا أنظار الأنام، ولا ليجعلوا على القلوب أكنّة، وعلى الأسماع وقراً، وعلى الأبصار غشاوة، وعلى الأفواه كمامات، وفي الأيدي والأعناق أغلالاً، وفي الأرجل قيوداً، لا ينسب ذلك إليهم إلاّ من افترى عليهم.
ويضيف العلاّمة عبد الحسين شرف الدين قائلاً للشيخ سليم البشري: هلمّ بنا إلى المهمة التي نبّهتنا إليها من لمّ شعث المسلمين، والذي أراه أنّ ذلك ليس موقوفاً على عدول الشيعة عن مذهبهم، ولا على عدول السنّة عن مذهبهم، وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجّح، بل ترجيح للمرجوح، بل تكليف بغير المقدور.
نعم، يلمّ الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت واعتباركم إيّاه كأحد مذاهبكم، حتّى يكون نظر كلّ من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كنظر بعضهم إلى بعض، وبهذا ينتظم عقد اجتماعهم.
والاختلاف بين مذاهب أهل السنّة لا يقلّ عن الاختلاف بينها وبين مذهب الشيعة، تشهد بذلك الألوف المؤلفة في فروع الطائفتين وأصولهما.
فلماذا ندّد المندّدون منكم بالشيعة في مخالفتهم لأهل السنّة، ولم ينددوا بأهل السنّة في مخالفتهم للشيعة، بل في مخالفة بعضهم لبعض، فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة؟ وكيف يمكن أن تكون الأربعة موافقة لاجتماع المسلمين، فإذا زادت مذهباً خامساً تمزّق الاجماع وتفرّق المسلمون طرائق قدداً؟!(2) (1) المعجم الكبير، الطبراني 5: 167، أبو الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن أرقم. (2) اُنظر المراجعات للعلامة عبد الحسين شرف الدين: المراجعة الرابعة، ص16 ـ 19.