عبد الله دوسو
عبد الله دوسو
ولد عام 1970م بمدينة " طوبا " في ساحل العاج، كان في بداية أمره من أهل العامة، ثم تحول إلى الوهابية.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1994م في بلاده.
التعرّف على التشيّع:
يقول الأخ عبد الله: " تعرّفت على الشيعة في المرحلة الابتدائية للدراسة، وذلك عن طريق بعض أساتذتنا الشيعة اللبنانيين.
وحيث كان لهؤلاء المعلمين أخلاق رفيعة وشخصيات متينة وأساليب جذّابة في إلقاء الدروس، أثروا بسلوكهم على التلاميذ وجعلوهم متفاعلين معهم عقلياً ونفسياً، وكان من الملاحظ فيهم أمرين ملفتين للنظر:
الأوّل: انّهم كانوا ذو ثقافة عالية وإطلاع واسع لا سيما في الجوانب التاريخية والعقائدية والفقهية.
الثاني: كانت هوية التشيع ظاهرة وبارزة عليهم، بحيث كان معظم كلامهم وإرشاداتهم مطعمة بروايات أهل البيت (عليهم السلام) ، ولايمضي يوم ـ من أيام الدراسة ـ إلاّ ويذكرون شيئاً من سيرة أهل البيت (عليهم السلام) الناصعة، حتى أنني حفظت الكثير من أحاديث العترة، وكنت أستشهد بها في كلامي مع الآخرين.
غزو التيار الوهابي:
حينما تعرّفت على الشيعة كان قد توغل المدّ الوهابي وتسلل إلى القارة الأفريقية، وكان لهؤلاء أساليب متنوعة مدعومة بأموال طائلة، فسحت لهم المجال للتحرّك في الأوساط بشكل واسع، وقد كان لهم تحرك مكثف في المدارس، لعلمهم بأنّ هذه الأماكن منفذ السهل لزرع أفكارهم في نفوس الجيل اليافع، وبما أنني كنت طالباً في إحدى هذه المدارس التي شملها المدّ الوهابي انجرفت كغيري بهذا التيار، وخصوصاً بعد فقدنا الأساتذة السابقين، حيث كان هذا سبباً لفقداننا الجانب المعنوي وضعف مبتيناتي العقائدية، حتى آل الأمر بي أن أنتمي إلى الوهابية نتيجة أنجرافي مع هذا التيّار الذي غزى أوساطنا.
وبعد إتمامي للمرحلة المتوسطة في عام 1988م، شجعني وحثني الوهابيون على السفر إلى السعودية لمواصلة الدراسة في مدارسها الدينية، ولكنني لم أُقبل في أي مدرسة بشكل رسمي فعدت أدراجي إلى ساحل العاج، ولكن الوهابية لم يتركوني وشأني فالحقوني ببعض المشايخ لأتلقّى على أيديهم الدروس والأبحاث الدينية.
أسئلة حائرة تحتاج إلى جواب مقنع:
كنت أطرح في ذلك الحين جملة من الأسئلة والاستفسارات على مشايخنا بعد الانتهاء من الدرس، وكانت أغلب أسئلتي منطلقة من الأحاديث التي سمعتها وحفظتها عن المعلمين اللبنانيين الشيعة، كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة والمنزلة و...، كما كنت أسأل عمّا يتعلّق بالأحداث التاريخية كأضطراب الأوضاع أيّام عثمان، وحرب الجمل، وحرب صفين، والخلاف بين الإمام عليّ (عليه السلام) ومعاوية، فكانوا يقرّون بذلك ويجيبونني بشكل مبتور أو ينعطفون بالإجابة إلى أمور أخرى كي يصرفوني عن ذلك!.
كما أنني كنت أشاهد في أوساطنا حملة مسعورة من قبل الوهابيين ضدّ الشيعة والتشيّع لاسيما في مجال الإصدارات، حيث أغرقوا المكتبات والمدارس وحلقات المشايخ بالكتب التي تشنّع على الشيعة وتحط من شأنهم، لتتشبع بها أفكارنا وتمتليء صدورنا بالحقد والغيظ عليهم، ومن هذه الكتب كان كتاب (وجاء دور المجوس) الذي سطّر فيه المؤلف ما شاء من التهم والافتراءات على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ".
ملاحظات على كتاب (وجاء دور المجوس):
في الحقيقة أنّ المطالع لهذا الكتاب يدرك بوضوح أنّ مؤلفه " عبدالله محمد الغريب " قد جانب الموضوعية في بحثه، والإنصاف في حكمه، بل أنّه انطوي على ذهنية طائفية ونفسية منفعلة لمواجهة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) !
كما يلحظ أنّ المؤلف اعتبر في هذا الكتاب، أن خصمه الأوّل والأخير هم الشيعة، بل عبّر بصراحة عما يجيش في صدره بخصوص حلقات دروسهم وحوزاتهم وحسينياتهم!(1).
والجدير بالذكر أنّ المؤلف لم يأت بشيء جديد، بل كرّر نفس التهم والأباطيل التي عزف عليها الماضون، كتحريف القرآن، وجهلهم بعلم الحديث، وعدم استنادهم إلى البخاري وعدم اعترافهم به مع بقيّة الصحاح، وعدم معرفتهم بالقياس و...
من قال بتحريف القرآن؟!:
إنّ من أقدم القائلين بتحريف القرآن ووقوع الزيادة والنقصان فيه، هم أئمة أهل العامة!، فإنّ أمّهات مصادرهم تشير إلى ذلك! وإنّ الذين قالوا بالتحريف كان مرجعهم ومستندهم الروايات الواردة في كتب أهل العامة عن أئمتهم كعمر، وعبد الله بن عمر، وعبدالرحمن بن عوف، وعائشة و...
فقد روى المتقي الهندي عن ابن مردويه من مسند عمر، عن حذيفة قال: " قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: إثنتين أو ثلاث وسبعين، قال: ان كانت لتقارب سورة البقرة، وان كان فيها لآية الرجم "(2).
وروى البخاري بسنده عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب في أيام خلافته أنّه قال: " إنّ الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله: والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان من الحبل أو الإعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو: كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) "(3).
وروى المتقي الهندي أيضاً، عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة، عن أبيه، عن جدّه: " إنّ عمر بن الخطاب قال لأُبيّ: أوليس كنّا نقرأ من كتاب الله: أنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال: بلى. ثم قال: أوليست كنّا نقرأ: الولد للفراش وللعاهر الحجر؟! فُقد فيما فقدنا من كتاب الله، قال: بلى "(4).
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: " قال لي عمر: ألسنا كنّا نقرأ فيما نقرأ: وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم أوله؟ قلت: بلى، فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أميّة الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء!! "(5).
وروى مسلم بسنده عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أنّها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهن فيما يقرأ من القرآن "(6).
وروى نافع عن ابن عمر أنّه قال: " لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر "(7).
وروت حميدة بنت أبي يونس، قالت: " قرأ عليَّ أُبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول، قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف "(8).
هذا فضلاً عن عشرات الروايات التي تذكر جملة من الصحابة الذين قالوا بوقوع الزيادة والنقصان في كتاب الله تعالى، وأنّ من إئتم بهم يعتبره صحيحاً ويروي في صحاحه(9).
والأشد من هذا مازال جمع من علماء أبناء العامة يقولون بالتحريف من حيث لا يشعرون!، فيقول محمّد محمّد عبد اللطيف المعروف بأبن الخطيب صاحب كتاب (الفرقان): " ومن أعجب العجب ادعاؤهم أن بعض الآيات قد نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وهو قول لا يقول به عاقل.
وذلك لأنّ نسخ أحكام بعض الآيات مع بقاء تلاوتها ; أمر معقول مقبول، حيث أنّ بعض الأحكام لم ينزل دفعة واحدة، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس، وتستسيغه العقول، وهنا كانت الحكمة جلية ظاهرة في نسخ أحكام بعض الآيات مع بقاء تلاوتها.
أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها ; فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة في نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟!"(10).
ولا يخفى أنّ هذا القول ـ نسخ التلاوة وبقاء الحكم ـ هو قول بالنقيصة والإسقاط، وهو قول علماء أبناء العامة، بل أنّ هذا القول من إبداعاتهم في هذا الباب!
الشيعة وعلم الحديث:
مما يلاحظ على أقوال الغريب، قوله: " والرافضة جهلة بعلم الحديث، وما يدرّس في جامعاتهم هزيل جداً، وإذا سألتهم عن سند حديث قالوا: رواه الحسين أو محمّد الباقر أو موسى الكاظم... "(11).
وبهذا نجد أنّه ينكر دور شيعة آل البيت (عليهم السلام) في تشييد أركان الحضارة الإسلامية برمتها، ومساهمتهم في إغناء علم الحديث، وهو أمر لا يشك به عاقل مطّلع على تراث المسلمين، فقد بادر أئمة الشيعة (عليهم السلام) وعلماؤهم إلى تدوين سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظها في الوقت الذي منع غيرهم ذلك!.
ولقد أدرك أتباع أهل البيت (عليهم السلام) شرف السنة النبوية ودورها في تبيين ما أنزل الله في كتابه العزيز، في حين جعل غيرهم سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وراء ظهورهم ورفع شعار " حسبنا كتاب الله "!.
وقد انبرى الشيعة الإمامية لصيانة السنة النبوية الشريفة من الدسّ والتزوير من خلال تدوينهم وتنقيحهم لها، وقد أنجبت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في القرون الثلاثة الأولى محدثين كبار لهم ثقلهم في العالم الإسلامي، فكان منهم:
1 ـ يونس بن عبد الرحمن: وهو من تلامذة الإمام موسى الكاظم والإمام عليّ الرضا(عليهما السلام)، وقد وصفه ابن النديم في فهرسته بعلاّمة زمانه، له جوامع الآثار، والجامع الكبير، وكتاب الشرائع.
2 ـ صفوان بن يحيى البجلي (ت 220 هـ): كان أوثق أهل زمانه، وصنّف ثلاثين كتاباً.
3 ـ الحسن والحسين إبنا سعيد الأهوازي: صنفا ثلاثين كتاباً.
4 ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 هـ): صاحب كتاب (المحاسن).
5 ـ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي (ت 293 هـ): صاحب الجامع المعروف.
6 ـ محمّد بن أبي نصر البزنطي (ت 221 هـ): صاحب الجامع المعروف.
وقد ألّف رجالات الشيعة جوامع حديثية في القرنين الرابع والخامس، منها:
1 ـ الكافي، لثقة الإسلام الكليني (ت 329 هـ).
2 ـ من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق (ت 381 هـ).
3 ـ كتابي التهذيب والاستبصار، للشيخ الطوسي (ت 460 هـ).
كما أضيفت جوامع حديثية أخرى في القرن الحادي عشر، منها:
1 ـ وسائل الشيعة للحر العاملي (ت 1104 هـ).
2 ـ بحار الأنوار، للشيخ المجلسي (ت 1110 هـ).
3 ـ الوافي، للمحدّث الكاشاني (ت 1019 هـ).
وهذا أدلّ دليل على إعتناء الشيعة بسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم تضييعهم لها، وكذا على خبرتهم في الآثار المروية عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق الائمة الطاهرين (عليهم السلام) من آله.
ومع هذا كلّه يدّعي الغريب جهل الشيعة بعلم الحديث، ثم يستهزأ بهم لإسنادهم الأحاديث إلى أئمتهم! وكأنّه لم يراجع تراجم هؤلاء الأعاظم في كتب العامة، ليعرف منزلتهم ومكانتهم بين المسلمين، واذ هو يستهزىء بالشيعة للرواية عن أئمتها، ليته كان يمعن النظر في صحاحه التي تروي عن بعض النواصب والخوارج والمارقين والمتهتكين، فيحكم بين منهج أبناء العامة في رواية الحديث ومنهج الشيعة في ذلك.
والأعجب من ذلك!! قوله: "... ونختلف مع الرافضة(12) في الأصل الثاني من أصول الإسلام ـ السنة ـ ".
ثم يقول: " لايؤمن الشيعة بالأحاديث التي وردت في صحيحي البخاري ومسلم... ولايؤمنون بمسند الإمام أحمد وموطأ مالك وسنن الترمذي وابن ماجة والنسائي وأبي داود وغيرها من كتب الحديث "(13).
البخاري وصحيحه:
من المستغرب أن يعتبر الغريب عدم قبول الشيعة لما ورد في صحيح البخاري وغيره من الصحاح عندهم، اختلافاً في الأصول!
فيبدو أنّه لم يراجع الأسباب التي اعتمد عليها الشيعة في عدم أخذهم الأحاديث من صحيح البخاري، وكأنّه لا يعلم أنّ أدنى تأمّل في تاريخ وشخصية محمد بن إسماعيل البخاري يكشف لنا حقيقة أمره وماهية (صحيحه)!.
فقد قال محمّد بن يحيى الذهلي (ت 258 هـ) ـ والذي إنتهت إليه مشيخة العلم بخراسان ـ عن شخصية محمّد بن إسماعيل البخاري: " من ذهب بعد هذا إلى محمّد بن إسماعيل البخاري فاتهموه "(14).
ومحمد بن يحيى الذهلي هو من قال فيه علماء الرجال وأئمة الجرح والتعديل ما يكفي:
فقال أبو حاتم الرازي: " محمّد بن يحيى الذهلي إمام أهل زمانه "(15).
وقال الذهبي: " كانت له جلالة عجيبة بنيسابور، من نوع جلالة الإمام أحمد ببغداد ومالك بالمدينة "(16).
وقال النسائي: " محمّد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري، مأمون "(17).
ولهذا نجد أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين تركا البخاري! علماً أنّهما كانا يُعدّان من أئمة العامة في الجرح والتعديل، وكانت على أقوالهم تدور صحة أوسقم المرويات عن السنة النبوية، كما أنّ سبب ذكر الذهبي للبخاري في الضعفاء والمتروكين هو جرح الذهلي له.
كما اعتبر جماعة من أبناء العامة أنّ البخاري مدلّساً(18)، والتدليس يوجب الجرح في الراوي، ومن ثبت عليه التدليس ولو مرّة صار مجروحاً، والجرح في الراوي يوجب ضعف الحديث ويجعله غير مقبول (19).
وقد ذكر الذهبي طرفاً من تدليساته، حينما قال: " وقال أبو نصر الكلاباذي: روى البخاري عنه ـ الذهلي ـ فقال مرّة: ثنا محمّد، وقال مرّة: ثنا محمّد بن عبدالله نسبة إلى جده، وقال مرّة: ثنا محمّد بن خالد، ولم يصرّح به قط، وقال الحاكم: روى عنه البخاري نيفاً وأربعين حديثاً "(20).
وقال الذهبي أيضاً: " ثم أنّ البخاري قد روى عن محمّد غير منسوب عنه فكان محمداً الذهلي "(21).
وقال ابن حجر في أجوبته عن السؤال عن محمّد الذي يروي عن البخاري من هو؟ قال: " والذي ترجّح لي أنّه الذهلي، والبخاري من عاداته أن لا يفصح به ـ أنّه محمد بن يحيى الذهلي ـ "(22).
فإذا أراد بذلك أن يذكر شيخه الذي سمع منه بما لا يُعرف عند أهل الحديث! فذكره بما ليس مشهوراً، وهذا هو التدليس الذي قرنه بعضهم في الحكم بقذف المحصنات، وبعض آخر بأنّه أشدّ من الزنا(23).
وقال ابن حجر: " محمّد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري: الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله بن مندة في كلام له، فقال فيه: أخرج البخاري قال: فلان، وقال: أخبرنا فلان، وهو تدليس "(24).
وقال سبط ابن العجمي: " محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة شيخ الإسلام البخاري، ذكر ابن مندة أبو عبد الله في جزء له في شروط الأئمة في القراءة، والسماع، والمناولة، والإجازة أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها قال لنا فلان، وهي إجازة، وقال فلان، وهو تدليس "(25).
فهذه وجهات نظر وآراء بعض علماء العامة في الرجل!! وفضلا عن ذلك قد كان البخاري في نظر الذهلي وأكثر علماء نيسابور ـ في ذلك العصر ـ مطروداً ومضلاً ومنحرفاً عن العقيدة، مما حدا به إلى الرحيل عنها!.
ولمعرفة قيمة ماورد في صحيح البخاري من أخبار، نكتفي بذكر رواية والي بخارى أحيد بن أبي جعفر، التي يقول فيها: " قال محمّد بن إسماعيل يوماً: ربّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، وربّ حديث سمعته بالشام كتبته بمصر! فقلت له: يا أبا عبد الله بكماله؟ قال: فسكت "(26).
وإنّ أوّل من فتح باب الانتقاد على صحيح البخاري وغيره من الصحاح ومؤلفيها هم علماء العامة أنفسهم!.
فقد قال مسلمة حول البخاري وكتابه الصحيح: " ألّف عليّ بن المديني ـ شيخ البخاري ـ كتاب (العلل)، وكان ضنيناً ـ به ومهتماً به كلّ الاهتمام، لكي لا تناله الأيدي ـ فغاب يوماً في بعض ضياعه ـ خارج المدينة ـ فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوماً واحداً، فأعطاه له، فدفعه البخاري إلى النسّاخ فكتبوه له، وردّه إليه، فلمّا حضر عليّ بن المديني وجلس بمجلسه ـ تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنصّ كلامه مراراً، ففهم القضية، واغتم لذلك! فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير.
واستغنى البخاري بذلك الكتاب ـ عن البحث والتنقيب في الأحاديث ـ وخرج إلى خراسان ووضع كتابه الصحيح، فعظم شأنه وعلا ذكره "(27).
وأمّا بقية الصحاح فنترك القول فيها لأحد أبناء العامة، حيث يقول:
" وهناك الكثير من أمثال هذا الحديث(28)، مما يناقض العقل والمروءة والآداب، وقد وردت جميعها في أُمهات الكتب الصحيحة المعتمدة... ومن أعجب العجب!! ألاّ يتعرّض شرّاح الأحاديث لمثل هذا الحديث بتجريح أو تصحيح.
وإنّي أترك المؤمن الذي لا يتقيّد بالتقليد الأعمى، ولا يتّبع الأسماء الرنّانة، التي دسّ الدسّاسون، وأبطل المبطلون تحت ستارها، وهي من كل هذا براء، إنّي أتركه ليفكر في نفسه: هل مثل هذا صحيح؟ وهل نشر مثله على سواد الأمّة جائز؟ "(29).
لماذا هذا التمزق في الساحة الإسلامية؟
يقول الأخ عبد الله دوسو: " لقد كانت قراءتي لكتاب (وجاء دور المجوس) قراءة مركزة، وتخللها في الأثناء مراجعة لمصادر الشيعة، فوجدت أنّ المؤلف لم يكن منصفاً في البحث، كما أنني كنت أقارن بين ما سطّره في كتابه وبين سلوك ومنهج الأساتذة الشيعة ـ اللبنانيين ـ الذين تتلمذت على أيديهم، فخرجت بنتيجة ملخّصها: إنّ ساحتنا الإسلامية ـ وللأسف ـ تفتقد الحوار الموضوعي في المجالات التي تختلف فيها وجهات النظر بين علماء المسلمين، كما أنّها أضحت ساحة يهيمن عليها الانفعال والعصبية، لأنّ معظم المؤسسات والمراكز الدينية أصبحت جسراً لوصول البعض إلى مبتغياتهم ومصالحهم الشخصية.
ومن هذا المنطلق غدا الدفاع عن المذهب أو التكتل الفكري للبعض يشكّل حالة دفاع عن موقعية اجتماعية تضمن لهم الاستمرار لنيل مآربهم، وبهذا يكون من الواضح أن لا ينطلق الحوار والبحث من نوايا صادقة ودوافع سليمة ".
وضع النقاط على الحروف:
ويضيف الأخ عبد الله: " فبدأت بغربلة المعتقد الذي كنت أنتمي إليه، فتتبعت كل ما كُتب عنه، إلى أن وقع في يدي كتاب (الوهابية في الميزان) فقرأته بإمعان وتأمّل، وإذا يتبيّن لي أنّ الوهابية إنطلقت لتحقيق أهداف سياسية معيّنة، فاتحدت مع إتجاه سياسى ليعبّد لها الطريق ويفسح لها المجال للهيمنة على دفّة الحكم، وامتلاك زمام السلطة وقتل المعارضين بذريعة الشرك والكفر، شريطة أن تكون المنفعة مشتركة بين الطرفين.
وتوجهت بعدها نحو كتب الشيعة لأنّني وجدّتها لا تمثل خطاً فكرياً صنعتة أيدي السياسة لتحقيق مآربها ومبتغياتها، فقرأت تفاسيرهم وعقائدهم وتاريخهم وفقههم، حتى اقتنعت تماماً بما فيها، فهداني الله تعالى لاعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وبقيت مدّة سنتين أعمل وفق المذهب الجعفري في الخفاء، حتى حان لي الوقت المناسب فأعلنت استبصاري هو عام 1994م. (1) أنظر: وجاء دور المجوس: 5. (2) كنز العمال: 2 / 480 (4550)، ونحوه في مسند أحمد بن حنبل، عن أبي بن كعب: 5 / 132 (21244)، وأنظر: الأحاديث المختارة للمقدسي: 3 / 370 (1164)، مستدرك الحاكم: 2 / 450 (3554)، السنن الكبرى للبيهقي: 8 / 366. (3) صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الردة، باب رجم الحبلى إذا احصنت: 8 / 2504 (6442). (4) كنز العمال: 6 / 208 (10372)، وأنظر: التمهيد لابن عبد البر: 4 / 276، الإتقان للسويطي: 2 / 68 (4126). (5) أنظر: الدر المنثور للسيوطي: 4 / 371، كما أخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة. (6) صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب بالتحريم بخمس رضعات: 2 / 1075 (1452)، وأنظر: سنن الدارمي، كتاب النكاح: 2 / 209 (2203). (7) أنظر: الاتقان للسيوطي: 2 / 66 (4117). (8) المصدر نفسه: 2 / 67 (4121). (9) تم ذكر بعض مصادر القوم فيما سبق، فراجع. (10) الفرقان: 156 ـ 157. (11) وجاء دور المجوس: 120. (12) أراد بالرافضة هنا الشيعة. (13) وجاء دور المجوس: 120. (14) أنظر: تاريخ بغداد للخطيب: 2 / 31 ـ 32، سير أعلام النبلاء للذهبي: 12 / 455، تاريخ الإسلام للذهبي: وفيات (251 ـ 260): 268. (15) أنظر: تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 418، تاريخ الإسلام للذهبي: وفيات (251 ـ 260) 340. (16) أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12 / 274. (17) أنظر: تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 418. (18) التدليس: هو اخفاء عيب في الاسناد، وهو خداع وخيانة، لأنّ المدلّس يوهم السامع بسماع هذا الحديث من المشايخ مع أنّه لم يسمعه. (19) أنظر: أسباب رد الحديث: 87. (20) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات (251 ـ 260): 342، رجال الصحيح للكلاباذي: 2 / 687. (21) أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 10 / 379. (22) أنظر: إكمال مبهمات البخاري لابن حجر: 76. (23) أنظر: يالكفاية في علم الدارية، باب الكلام في التدليس للخطيب: 355، 371، جامع التحصيل للعلائي: 1 / 116. (24) أنظر: طبقات المدلّسين لابن حجر: 24 رقم 23. (25) أنظر: التبيين لأسماء المدلّسين لابن العجمي: 177 رقم (64). (26) أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 12 / 411. (27) أنظر: تهذيب التهذيب للعسقلاني: 9 / 47 ـ 54. (28) حديث عائشة في ارضاع الكبير. (29) أنظر: الفرقان لابن الخطيب: 161 ـ 162.