سجاد حسين انقلابي

من ويكي علوي
مراجعة ٠٣:١٨، ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ بواسطة Qanbar (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب' = سجاد حسين انقلابي = ولد عام 1960م بمدينة " ديره غازنجان " الباكستانية(1)، من أسرة تنتمي إلى الفرقة البريلوية الصوفية(2)، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة الليسانس في العلوم الاجتماعية. تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1985م في بلاده، على اثر...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

سجاد حسين انقلابي

ولد عام 1960م بمدينة " ديره غازنجان " الباكستانية(1)، من أسرة تنتمي إلى الفرقة البريلوية الصوفية(2)، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة الليسانس في العلوم الاجتماعية.

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1985م في بلاده، على اثر مناقشات ومحاورات جرت بينه وبين والده الذي كان مستبصراً من قبل، ومطالعة عدداً من كتب الشيعية.

إزالة الرواسب الموروثة:

كانت معرفة الأستاذ سجاد للتشيع معرفة سطحية، وتعمقت هذه المعرفة على أثر خلاف نشب بين أبيه الذي اعتنق التشيع وجدّه الذي عارضه بشدة!.

ويروي الأستاذ سجاد ذلك قائلاً: " عندما تشيع والدي كان عمري عشرين عاماً وقد حدث من جرّاء ذلك خلاف بينه وبين جدّي، واشتد بينهما النزاع حتى هجره جديّ رغم الأساليب والمحاورات الهادئة التي اتبعها أبي معه.

والحقيقة أنّ جدّي لم يكن بوسعه مجاراة أبي الذي سدّ عليه الطرق بالأدلّة والبراهين النقلية والعقلية، لكن الموروث الفكري الذي كان يحمله جدّي جعله يقف ذلك الموقف!

ولم يكن موقفي تجاه أبي لضيق آفاق رؤيتي آنذاك أقل من موقف جدّي، فقد قاطعت أبي ولجأت إلى بيت جدّي حتى مضت خمس سنوات، هذا وكان أبي يحاول اختراق جدار الهجران حتى تمكّن من إقناعي وإرجاعي والعيش معه.

بعد عودتي حاولت دراسة الحالة التي يعيشها أبي، فوجدت انتقاله إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لم يكن مجرد صدفة أو نزوة، بل كان تحوّله وفق منهجية مدروسة قائمة على أسس متينة، فإنّه بحث طيلة خمسة عشر عاماً بصورة متواصلة حتى توصّل إلى هذه النتيجة، فإطلع خلالها على مختلف الكتب وتحاور فيها مع العديد من الشخصيات.

وبعد عودة الصلة بيني وبين أبي، دخلت معه مرّة أخرى في مناظرات عديدة ولكن باسلوب هادىء، فكان أبي يوصيني بالرؤية المجردة عن خلفيات الأهواء والأغراض في البحث عن الحقيقة، وعدم التقليد في مجال أصول الدين، وشجّعني على سلوك النهج الموضوعي في تبنّي المواقف، لأنّ المسؤولية كبيرة أمام الله سبحانه وتعالى، حتى أنّي أتذكّر يوماً أنّه قال لي: نحن عندما نبادر إلى شراء شئ صغير، فإنّنا نستفسر عنه بدّقة، فما بالنا نتساهل في أمر عظيم يتحكّم بعاقبة أمرنا!.

وكان يؤكد لي بقوله: بنيّ سل عن دينك كي تبرء ذمتك!، وكان يرشدني لقراءة بعض الكتب ويوصيني بالتمعن والتأمل في مضامينها، وأن أستفسر عما كان غامضاً فيها.

وبالفعل أخذت أقرأ وأبحث، حتى اقتنعت ببعض المسائل، وجعلت أناقش في الأخرى، وأتذكر أنّي توقفت في بعض المفاهيم، كالعصمة وآية التطهير وسبب عدم شمولها لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! "

عصمة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) :

إنّ العصمة في الحقيقة ضابط يؤدّي إلى حفظ شريعة الله تعالى نظرياً، وصيانتها من العبث تطبيقياً، وكما قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تبيينه لمعنى المعصوم: " هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: (... وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراط مُسْتَقِيم) (آل عمران: 101) "(3).

فهي حالة معنوية توجد بفضل الله سبحانه وتعالى، وطالما كانت هذه الحالة بفضله ومنّه ولطفه، فلابد من وجود دليل ـ يكشف عن وجودها في المعصوم ـ من قبله جلّ وعلا، ولذا لاتقبل دعوى العصمة من أي أحد كان.

وليست العصمة فكرة إبتدعتها الشيعة، وإنّما هي حقيقه دلّ عليها ـ في حق العترة الطاهرة ـ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فهي عقيدة إسلامية صرفة، مؤكدة في مصادر التشريع.

ولايمكن تصور خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بدون العصمة، لأنّ للخلافة دوراً أساسياً في حفظ الشريعة من الضياع، فلو كان المتكفل بهذه المسؤولية لاترعاه الألطاف الإلهية، فإنّه سيفشل حتماً في أداء هذه المهمة ولا يمكنه إيصال الأمانة الإلهية من دون أي نقص للأمة.

ولهذا نجد نصوص كثيرة أثبتت العصمة التامة لمن يقوم مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسدّ الفراغات التي تركها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، من قبيل تفسير الكتاب وشرح مقاصده، وكشف أسراره وتبيين أحكام الموضوعات، وصيانة الدين من التحريف.

موقف أبناء العامة من العصمة:

ذهب بعض كبار أبناء العامة إلى تبني مسألة عصمة أولى الأمر، لكنّهم أنكروا على الشيعة القول بها! ومن هؤلاء:

1 ـ الفخر الرازي، الذي قال في تفسيره: " إنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع، لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ... فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعته أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لابد وأن يكون معصوماً "(4).

ومما يثير الاستغراب أنّ الرازي لم يستثمر أي نتيجة من هذه الحقيقة، بل أخذ يتأول ويحمّل الآية خلاف ما أثبته، بذريعة عجزه عن معرفة الإمام المعصوم والوصول إليه!.

ويا ترى هل أنّ العجز الذي ذهب إليه الرازي يختص بزمانه، أم كان شاملا حتى لزمان نزول الآية!!.

وكان ينبغي له أن يتعرّف على المعصوم في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعصر نزول الآية، وبالتعرّف عليه يعرف معصوم زمانه والمعصوم الذي يتلوه بعده، إذ ليس من المعقول أن يأمر الوحي الإلهي بطاعة معصوم لاتوجد له مصداقية في الواقع الخارجي حين النزول، أو بعد ذلك.

كما لا معنى لتفسير الفخر الرازي لـ (أولي الأمر) بأهل الحلّ والعقد الذين يجوز عليهم الخطأ، لأنّ الخطأ إذا جاز على الأفراد فإنّه سيجوز على المجموع، لأنّ المجموع ليس إلاّ ضم فرد لفرد آخر.

2 ـ ابن تيمية، وذلك في معرض ردّه على الشيعة عندما قالوا كلاماً مفاده: " إنّ وجود المعصوم لابد منه بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والدليل هو أنّ الأحكام تتجدد تبعاً للموضوعات، والأحوال تتغير، وأنّ للقضاء على الاختلاف في تفاسير القرآن الكريم وفي فهم الأحاديث وغير ذلك لابد من وجود معصوم في كل زمان لحل الخلاف والنزاع وتبيين معاني القرآن وشرح مقاصده لينوب عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ".

فأجاب ابن تيمية بكلام طويل ملخصة: " لا يسلّم أهل السنة أن يكون الإمام حافظاً للشرع بعد إنقطاع الوحي، لأنّ ذلك حاصل للمجموع، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد، فالقرّاء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال "(5).

فابن تيمية يرى العصمة لجماعة من الأمّة لضمان حفظ الشريعة!، في حين يذهب غيره إلى عصمة جميع الأمّة مستنداً إلى ما قيل أنّه ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): " لاتجتمع أمتي على خطأ ".

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يستكثر ابن تيمية العصمة على عدد معين من الأمّة؟! وهم أربعة عشر خصهم الله تعالى بفضل دون غيرهم لمّا علم منهم الوفاء بعهده.

مناظرة الإمام الرضا (عليه السلام) والمأمون حول العصمة:

روي أنّه: " حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان، فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا... ) (فاطر: 32)؟

فقالت العلماء: أراد الله تعالى بذلك الأمة كلّها.

فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الرضا (عليه السلام) : لا أقول كما قالوا، ولكني أقول: أراد الله عزّوجلّ بذلك العترة الطاهرة.

فقال المأمون: وكيف عني العترة من دون الأمة؟

فقال له الرضا (عليه السلام) : انّه لو أراد الأمّة لكانت أجمعها في الجنّة، لقول الله تعالى: (... فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر: 32)، ثم جمعهم كلّهم في الجنّة، فقال عزّوجلّ: (جَنّاتُ عَدْن يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَب...) (فاطر: 33)، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟

فقال الرضا (عليه السلام) : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال عزّوجلّ: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الاحزاب: 33)، وهم الذين قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيّها الناس: لا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم "(6).

عصمة الإمام ولزوم الاعتقاد بها:

قد أجمع الشيعة على اعتبار العصمة في الإمام، وأكّدوا على تحقّق هذا الشرط الأساسي في صلاحية من يحرز منصب الخلافة الحقيقية للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، لنصوص دلّت على هذا الأمر وأشارت إلى أنّه تعالى عصم هؤلاء، من أجل أن يكونوا مؤهلين لتولي هذا المقام الخطير والحسّاس للغاية.

والحقيقة أنّ مسألة العصمة ضرورة عقلية لاسبيل لإنكارها، لاسيما إذا كنّا نطمح لارتقاء الأمّة إلى أعلى المستويات، وأنّها من ميزات العقيدة الشيعية التي هي العقيدة الإسلامية الأصيلة المنسجمة مع الفطرة.

وإن دلت هذه العقيدة على شئ فإنّما تدلّ على نضج فكر هذه الطائفة لاستيعاب هذه الحقيقة الإسلامية، لأن الإسلام نظر لأهمّية الإمامة فلم يجعلها في إنسان لا يليق بها، بل جعلها للمعصوم، فإنّ عدم عصمة الإمام يؤدّي إلى ابتلاء الرسالة بعدة ابتلاءات، منها عدم فهم الناس للرسالة بصورة صحيحة وبالتالي الوقوع في التأويلات الخاطئة.

وقد أثبتت الروايات أنّ الإمام يولد معصوماً، وأنّ الله تعالى لعلمه بهذا المولود الذي اصطفاه من قبل يصونه ويطهّره منذ ولادته، لأنّ الناس ـ ولاسيما الخصوم منهم ـ لايمكن أن ينسوا الأمور السلبية لداعية قد قضى شطراً من حياته في الانحراف.

الأدلّة القرآنية للعصمة:

إنّ من جملة الآيات القرآنية الكريمة الدالة على عصمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته الميامين (عليهم السلام) ، ونفي السهو والشك والخطأ عنهم بشكل عام ومطلق، هي:

1 ـ قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (آل عمران: 31).

وهي دالّة على وجوب متابعة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في أفعاله وأقواله، فلو جاز عليه الخطأ والنسيان، لوجبت متابعته فيه، وهو باطل، لأنّ معنى جواز سهو النبيّ أو خطأهُ، هو أنّه تعالى قد أمر الناس بارتكاب الخطأ المحتمل صدوره من النبيّ، وحاشا لله عزّوجلّ بأن يأمر بمتابعة الخطأ.

2 ـ قوله تعالى: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (الاحزاب: 21).

وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب الاقتداء بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإطلاق، فيكون فعله حجّة على الجواز، وتركه حجّة على نفي الوجوب.

3 ـ قوله تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى) (النجم: 3).

وفي هذه الآية إشارة صريحة ودلالة تامّة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ينطق عن الوحي الإلهي، ولزوم ذلك استحالة الخطأ عليه مطلقاً، وبالتالي وجوب إتباعه والأخذ عنه في الأقوال والأفعال، وعلى هذا يكون أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بوجوب إتباع أهل البيت (عليهم السلام) والتمسّك بهم دليلاً على عصمتهم.

4 ـ قوله تعالى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7).

وهي دالّة على وجوب التسليم والانقياد لأقواله وأفعاله (صلى الله عليه وآله وسلم) على وجه العموم والإطلاق، فلو جاز السهو عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) لاحتمل ذلك في جميع أفعاله وأقواله، وبالتالي تسقط حجّية أقواله وأفعاله، وهذا الأمر مردودٌ من خلال هذه الآية.

5 ـ قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الاحزاب: 33).

إنّ دلالة هذه الآية، وموقف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من الذين أنزلت فيهم، تبيّن بشكل واضح عصمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) .

فقد ورد أنّ المراد من أهل البيت (عليهم السلام) ، هم: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، وسيدة النساء فاطمة (عليها السلام)، وسيدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين(عليهما السلام)، والأئمة المنصوص عليهم صلوات الله عليهم أجمعين.

ووردت من الفريقين روايات صحيحة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تصرّح بذكر أسماء أهل البيت (عليهم السلام)(7)، كما جاء في الصحيحين عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): " أنّ الأئمة إثنا عشر كلهم من قريش "(8).

ولو يمعن الباحث النظر في مفردات هذه الآية المباركة، يجد أنّ ما ذهبنا إليه هو الصحيح في تفسيرها:

فـ (إِنَّمَا) تفيد الحصر والتوكيد ; و (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) فيها اشارة إلى إذهاب القذر المعنوي بكل أشكاله، وتنزيههم عن النقائص، وكل ما هو منفّر ; وأمّا (أَهْلَ الْبَيْتِ) فهم أصحاب الكساء: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ; وأمّا (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فالطهارة: هي النزاهة والنظافة، وقد جاءت هنا تأكيداً لمعنى إذهاب الرجس عنهم (عليهم السلام) ، والطهارة هنا استعارة بدل العصمة، كما كان لفظ الرجس بدل الذنوب.

والمتتبع للسنة المطهرة ـ في آثار الفريقين ـ يجد أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يدع مجالا لأي قائل يتقوّل في هذه الآية الشريفة، انطلاقاً من مسؤوليته العظمى في بيان ما كان غامضاً على الصحابة من القرآن الكريم، فبيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من هم أهل البيت (عليهم السلام) .

فهم الذين بيّنهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الكساء المشهور عند الفريقين(9) والمعترف به عند المخالف والمؤالف.

والجدير بالذكر أنّ رواة حديث الكساء من الصحابة هم أكثر من خمسين صحابياً، ومن التابعين أضعاف هذا العدد، كما أنّ من رواته إثنتين من نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أم سلمة وعائشة.

وقد ذكر الطبري أربعة عشر طريقاً له في تفسيره (جامع البيان)، كلّها تؤكّد نزول الآية في هؤلاء الخمسة (عليهم السلام) .

فروى بسنده عن (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج للصلاة، فيقول: " الصلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) "(10).

وزاد ابن كثير على طرق الطبري ـ بعد نقل عشرة منها في تفسيره ـ تسعة طرق كلّها تؤكد ذلك(11).

الأحاديث الدالّة على العصمة:

أمّا النصوص النبوية الدالة على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) فكثيرة، أشهرها حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث الأمان.

فحديث الثقلين ـ على سبيل المثال ـ متسالم على صحته عند المسلمين، حتى عُدّ من الأحاديث المتواترة المنقولة في كتب التاريخ والتفسير والحديث.

فقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " علت شهرته الآفاق.

ويقول ابن حجر الهيتمي في خصوص العلّة التي من أجلها سمّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)القرآن والعترة بالثقلين: " لأنّ الثقل كل نفيس خطير مصون، وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللّدنّية والأسرار والحكم العلّية، والأحكام الشرعية، ولذا حث (صلى الله عليه وآله وسلم) على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم، وقال: "الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت "، وقيل: سمّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما "(12).

وقال الزمخشري: " نفي الضلال عن التمسك بهما، دلالة على أنّهما على الحقّ دائماً، وإلاّ لما نُفي: فإنّ (لن) تفيد تأبيد النفي كما هو واضح لمن تتبّع استعمالات هذه الكلمة في كلام العرب، وكما صرّح به أهل الخبرة والتتبع منهم"(13).

وعلى هذا نقول: لو حدث أن ضللنا باتباعهما، ولو بمصداق واحد لما كان كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) صحيحاً وصادقاً، لإطلاق الكلام وهو في مقام الهداية والبيان.

كما أنّ المفهوم من قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): " ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي "، أنّ الضلال يصدق على من لم يتمسك بهما معاً، فلابد لكل مكلّف من الاقتداء بهما، لأنّهما عروة واحدة لايمكن التفكيك بين حلقاتها المتماسكة، خصوصاً وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم اللسان الناطق والترجمان الحقيقي لكتاب الله، ومن غير الممكن فهم الكتاب بما فيه من المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ إلاّ عن طريقهم (عليهم السلام) .

وهم أناس لا يمسّهم الباطل ككتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه المعصوم بإجماع المسلمين، وهم عدل الكتاب لهم ماللكتاب من صفات ومزايا وأبرزها العصمة، ولهذا كانوا مع القرآن والقرآن معهم، ولذلك كانت المخالفة غير متحققة منهم في جميع أدوار حياتهم أبداً، لا عمداً ولا سهواً.

المرحلة العصيبة لتحديد المصير:

يقول الأستاذ سجّاد: " بعد اطلاعي وإلمامي بهذه الأدلة، وبعد أنّ تجلّت لي حقيقة الأمر، لم أجد مايعيقني عن إعلان استبصاري سوى الصراع النفسي الذين كان يراودني ويدفعني عن الخضوع للحقائق العقائدية التي تجلّت لي بوضوح.

فواجهت مشقة كبيرة في ترك معتقداتي السابقة التي كنت مغرّراً بها طيلة فترة حياتي، واستمرت هذه الحالة خمسة أشهر، واصلت فيها البحث والمطالعة علّني أجد ما أتشبّث به للتخلص من هذه الأزمة النفسية التي سلبت مني الاستقرار، فلم أجد سوى أدلّة جديدة أضافت إلى ما توصّلت إليه قوّة ومتانة!.

وبعد انهيار مرتكزاتي العقائدية السابقة توجّهت إلى الله سبحانه وتعالى ليفتح لي أبواب الهداية ويرشدني لما فيه صلاح أمري، وفعلاً في يوم من الأيّام حيث كنت متوجهاً إلى ربّي لأشكو إليه ماألمّ بحالي، إذ دمعت عيناي وأصابتني قشعريرة هزّت كياني من الأعماق، فهيمنت عليَّ نفحات قدسيّة منحتني القوّة والعزيمة والرؤيا الواضحة لتحديد المصير، فاخترت طريق الحقّ، وطوّعت نفسي لكل ما أواجه في هذا السبيل من تعيير أو استهزاء أو محاربة، فعندها شعرت باستقرار واطمئنان نفسي أحسست به في أعماقي، وأدركت أنني أمتلك الأسس والركائز المتينة التي أتمكّن بها من الحفاظ على ثبات كياني إزاء التيارات الفكرية المعاكسة ".

ومن ذلك الموقف ركب الأستاذ سجاد سفينة النجاة المتمثلة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأعلن استبصاره عام 1985م في بلده باكستان. (1) باكستان: تقع في وسط آسيا وتطل على المحيط الهندي، تحيط بها الهند وأفغانستان وايران، يبلغ عدد سكانها أكثر من (156) مليون نسمة، يشكل المسلمون نسبة 98%، والباقي من الهندوس والمسيح والبوذيين، أغلب المسلمين من أتباع المذهب الحنفي، أمّا الشيعة فيشكلون نسبة الربع تقريباً من السكان. (2) البريلوية: فرقة صوفية معاصرة نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية وفي مدينة بريلي الهندية بالذات، ومؤسسها أحمد رضا خان تلميذ الميرزا قادر بيك، وتصنف هذه الفرقة من حيث الأصل ضمن المذهب الحنفي. (3) أنظر: معاني الأخبار للصدوق باب معنى العصمة: 132. (4) التفسير الكبير: 10 / 144. (5) أنظر: منهاج السنّة لابن تيمية: 6 / 407 ـ 461. (6) أنظر: عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق: 1 / 207 ـ 208، تحف العقول للحرّاني: 312 ـ 113. (7) أنظر: ينابيع المودة للقندوزي: 3 / 281، فرائد السمطين للجويني: 2 / 132 (432)، غاية المرام للبحراني: 3 / 193. (8) أنظر: صحيح البخاري، باب الاستخلاف: 6 / 2640 (6796)، صحيح مسلم: 3 / 1452 (1821). (9) أنظر مسند أحمد: 4 / 107، صحيح مسلم: 4 / 1883 (2424)، مجمع الزوائد للهيثمي: 7 / 91 مستدرك الحاكم: 2 / 451 (3558)، الفصول المهمة لابن الصبّاغ: 23، الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 421 ـ 428، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1 / 379، الدر المنثور للسيوطي: 5 / 198 ـ 199، السنن الكبرى للبيهقي: 2 / 212 (2858). (10) أنظر: تفسير الطبري: 22 / 6. (11) أنظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 3 / 487 وما بعدها. (12) أنظر: الصواعق المحرقة: 2 / 442. (13) أنظر: الأنموذج للزمخشري.