سالم بن ديرا

من ويكي علوي
مراجعة ٠٣:١٦، ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ بواسطة Qanbar (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب' = سالم بن ديرا = ولد عام 1973م بمدينة " دار السلام " في تنزانيا، ونشأ في أُسرة تعتنق المذهب الشافعي، ثم واصل دراسته الأكاديمية حتى نال الشهادة الثانوية. شاءت الأقدار الإلهية أن ينطلق الأخ سالم نحو البحث الموضوعي فيبلور لنفسه معتقداً مبتنياً على الأدلة والبراهي...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

سالم بن ديرا

ولد عام 1973م بمدينة " دار السلام " في تنزانيا، ونشأ في أُسرة تعتنق المذهب الشافعي، ثم واصل دراسته الأكاديمية حتى نال الشهادة الثانوية.

شاءت الأقدار الإلهية أن ينطلق الأخ سالم نحو البحث الموضوعي فيبلور لنفسه معتقداً مبتنياً على الأدلة والبراهين، ويتحرّر من التقليد الأعمى الذي فرضته عليه الأجواء الفكرية التي تحيطه، فأسفر بحثه عن الوصول إلى نتائج دفعته لاعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1992م بمدينة " عروشة " التنزانية.

أهمّية دراسة التاريخ الإسلامي:

كان بداية انطلاقته عام 1991م من خلال دراسته مادة التربية الدينية في الثانوية، فكان ممن يتفاعل مع هذه المادة الدراسية ويهتم بها، وممن لم يعبأ بالشبهات التي تلقى بالنسبة إلى هذه المادة، فإنّ البعض يدعي أنّ جملة من دروس مادة التربية الدينية لها صلة بالأحداث التاريخية التي جرت في صدر الإسلام، وفيها إشارة إلى الصراعات والاختلافات التي جرت بين الصحابة، والحروب التي وقعت فيما بينهم بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ هذه الأمور قضايا تاريخية قد مضى زمنها، ولاينفعنا البحث حولها في حياتنا المعاصرة، ولا جدوى في بذل الجهد لدراستها، ولابد من الاهتمام بالأمور التي تنفع واقعنا المعاصر فحسب.

ولكن الباحث الواعي يجد أنّ هذه الشبهة هي مجرّد محاولة لإبعاد المسلم عن مصدره التشريعي، لأنّ المسائل التاريخية لها بُعدان، بُعد تاريخي مضى عصره والآخر بُعد ديني باق أثره إلى يومنا هذا، وعلى المسلم المهتم بدينه أن يغربل التاريخ ويبذل قصارى جهده لمعرفة الحقيقة في ذلك.

فتاريخ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والأحداث التي جرت بعد وفاته تمثل المنهج الديني والتشريعي للمسلم في معرفته للإسلام الصحيح، الذي لم تتلاعب به أيدي المغرضين، ومالم يعرف المسلم واقع الاختلافات التي جرت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه سوف يجهل الدين الصحيح الذي جاء به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد يتبع أهل البدع والأهواء وهو يظنّ أنّه على سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

وممّا لاشك فيه أنّ أعظم خلاف وقع بين الأُمة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو اختلافها في الإمامة، لأنّها تمثّل حفظ وصيانة الإسلام من التلاعب والتغيير، إذ مع غيابها تفتقد الساحة الإسلامية من يصون مبادءها، فيكون الدين لعبة بأيدي أُناس يؤوّلون النصوص على ضوء المصالح التي يرتؤونها لأنفسهم، وبذلك تستأجر السلطات الجائرة بعض وعاظ السلاطين لتأويل النصوص التشريعية على مرامهم، ليحمّلوا الألفاظ ما لاتطيق ويصرفونها عن مفادها ومغزاها طمعاً منهم في حطام الدنيا.

وعي مجتمعاتنا المعاصرة:

لابد لكل مسلم من قراءة الأحداث التاريخية المرتبطة بالشؤون العقائدية بكل دقة وإمعان ليكون على بصيرة من دينه!.

والطريق شائك، واجتيازه مجهد، لأنّ الانحراف الذي تواصل أربعة عشر قرناً من الصعب إصلاحة في بضع سنين، والأمر يستدعي من الباحث الذي يقصد معرفة الحقّ أن يغوص فيه بروح بنّاءة ونفس موضوعية ويتناول الأبحاث بعقلية واعية.

وهذا الأمر لايحصل إلاّ للقلة التي تصمّم مواصلة السير مهما كلّفها الأمر، لأنّ الإشكالية الأساسية التي تعاني منها البشرية المعاصرة، هي حالة الفراغ العقائدي والخواء الروحي لابتعادها عن التتبع والبحث والمطالعة.

فنجد معظم الناس اكتفوا بإتباع نهج الآباء في العقائد، ولم يتعبوا أنفسهم في هذا المجال، ممّا أدى بهم إلى التخبّط على الصعيد الفكري والعقائدي، لأنّهم بإتباعهم الأعمى لنهج السلف أصبحوا يعيشون حالة الخواء، فافتقدوا المتانة الذاتية في نفوسهم للصمود أمام الشبهات والتيارات المعاكسة، فأصبحوا أتباع كل ناعق وأتباع كل من له القدرة على خداعهم والتلاعب بمشاعرهم، ولهذا آل أمرهم إلى الانحدار المريع، فأصبحوا لايمتلكون المستوى الفكري الذي يحصّنون به أنفسهم إزاء التيارات الفكرية التي تعصف بين الحين والآخر لتحقق مصالحها وتصل إلى مآربها.

ولكن مع ذلك فإنّ الباري عزّوجلّ لايترك عباده سداً، بل يتمّ عليهم حجّته ويريهم آياته لعلّهم يبصرون، فمن هذه النماذج كان الأخ سالم، إذ شاءت الأقدار الإلهية أن ترشده إلى الحقّ وهو يعيش في أجواء تحيطها غيوم العصبية وأقلام التحريف.

بداية التحرّر من التقليد الأعمى:

يقول الأخ سالم: " في إحدى سنوات الدراسة الثانوية تولّى تدريسنا أستاذ في مادة التربية الدينية كان يختلف عن باقي الأساتذة، لأنّه كان يكثر من الاستشهاد بأقوال محمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق، وكانت هذه الأسماء غريبة على أسماعنا ولم نألفها من قبل.

ويوماً سألت الأستاذ: من هو محمّد بن عليّ الباقر؟ ومن هو جعفر بن محمّد الصادق؟، فقام الأستاذ من مكانه وكتب على اللوحة حديث الثقلين الذي ورد فيه أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بالقرآن والعترة.

فسألت الأستاذ: من هم العترة؟

فقال: هم أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين (عليهم السلام) ، ثم عدّ أسماءهم وقال: ومحمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) وجعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام) من هؤلاء الذين أوجب الله أن نتمسك بهم.

فتعجبت من مقولة الأستاذ! فإنّه ذكر أمراً لم نسمع به من قبل!

وللتأكد من قول الأستاذ، راجعت أستاذاً آخر فسألته عن أهل البيت ووجوب التمسك بهم، فقال لي: هنالك طائفة تسمى بالشيعة الاثنى عشرية وهي تدّعي إتباع أهل البيت، ولكنّهم وإن كانوا مسلمين فهم يعتقدون بأمور تستوجب القول بكفرهم!.

فتعجبت من قول هذا الأستاذ! وبقيت في حيرة وتردّد، وعرفت أنّ الأمر يتطلب مني البحث والمطالعة لأصل بنفسي إلى الأدلّة والبراهين فأتحرّر من الحيرة بين قول هذا وذلك.

في رحاب حديث غدير خمّ:

بعد ذلك نشأ عندي المحفّز والدافع لمعرفة الشيعة والتشيع، فخصّصت فترة معيّنة في كل يوم للمطالعة في هذا المجال، وحبّذت في بدء الأمر قراءة كتبهم لأتعرّف على حقيقة أمرهم بصورة مباشرة، فكان من جملة الكتب التي قرأتها كتاب حول غدير خم مترجماً إلى اللغة الإنجليزية، فعرفت أنّ الاختلاف الأساسي بيننا وبين الشيعة هو مسألة الإمامة والخلافة، وقد بيّن مؤلف هذا الكتاب الأدلة من القرآن والسنة على ضوء مصادرنا ـ أبناء العامة ـ وثبّت بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك أُمته من بعده سداً، بل أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر في مواقف عديدة النصّ على خلافة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من بعده، وكان من أهمها يوم غدير خم.

ترك هذا الكتاب أثراً بليغاً في نفسي، فلخّصت مطالبه وعرضتها على الأستاذ الذي كفّر الشيعة، لكنه لم يستطع الوقوف بوجه الأدلّة المتينة التي ذكرتها له.

فإنّ حديث الغدير قد رواه أكثر من مائة صحابي، وهذا العدد في حدّ ذاته قليل! لأنّ السامعين لهذا الحديث كانوا مائة ألف أو يزيدون، ورواه التابعون بكثرة، وأشار إليه معظم علماء القرون المتتابعة، وهو حديث بلغ حدّ التواتر بين أوساط المسلمين ".

مفاد خبر الغدير:

إنّ مجمل خبر يوم الغدير، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا انتهى من حجّة الوداع نزل عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ) (المائدة: 67)، وكان الأمر الإلهي هو أن يقيم (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) علماً للناس ويبلّغهم ما أنزل الله فيه، فنزل رسول الله غدير خم في الجحفة، وكان يتشعب منها طريق المدينة ومصر والشام، ووقف هناك حتى لحقه من كان بعده، وردّ من كان قدّ تقدّم، ونهى أصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث اليهن فقمَّ ما تحتهن من الشوك، ونادى بالصلاة جامعة، وعمد اليهن، وظلل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فصلى الظهر بهجير، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال ماشاء الله أن يقول، ثم قال:

" ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: ألستم تعلمون ـ أو تشهدون ـ أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب بضبعيه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، ثم قال:

أيّها الناس! الله مولاي وأنا مولاكم فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، واحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه.

ثم قال: اللّهم أشهد "(1).

ثم لم يتفرق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام) حتى نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3)، وقد ذهب الكثير من علماء التفسير وأئمة الحديث وحفظة الآثار من أبناء العامة أن هذه الآية نزلت في غدير خم(2).

ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ "(3).

ثم أخذ الناس يهنئون عليّاً (عليه السلام) وكان في مقدمتهم أبو بكر وعمر، فقالا لعليّ (عليه السلام) : " أمسيت يابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة "(4).

وفي رواية قال له عمر: " بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم "(5).

وفي لفظ آخر قال: " هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة "(6).

ثم قام حسان بن ثابت في ذلك الحشد الحافل بمائة ألف أو يزيدون من المسلمين، وقال لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): قل على بركة الله، فقام حسان وأنشد:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم ***** بخم واسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم ***** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

الهك مولانا وأنت نبيّنا ***** ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فإننّي ***** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه ***** فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعى اللهم والي وليه ***** وكن للذي عادى علياً معاديا

فلما سمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أبياته قال: " لاتزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك "(7).

رفض القوم لتنصيب الإمام عليّ (عليه السلام) للخلافة:

قد حسم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير موضوع الخلافة والإمامة من بعده، فربط (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية الناس لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بولايته، وربط ولايته بالولاية الله عزّوجلّ، كما شاءت الإرادة الإلهية.

وتبييناً لأهمية أمر الولاية لعليّ (عليه السلام) أضيف إلى واقعة الغدير أمراً معجزاً آخر، وذلك بتخصّيص آية قرآنية في هذا المجال!.

فقد جاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث أنّه لمّا شاع خبر الغدير في الأقطار والأمصار وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، أتى على ناقة له إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل من ناقته فأناخها، وقال:

" يا محمّد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي منك أم من الله؟

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): والذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: اللّهم إنْ كان ما يقول محمّد حقّاً: فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله عزّوجلّ: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع... ) (المعارج) الآيات "(8).

ولا غرابة في موقف الحارث هذا، لأن الرفض الاجتماعي لهذا الأمر الإلهي قد أشار إليه الباري حينما أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بتنصيب الإمام عليّ (عليه السلام) بقوله تعالى: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ) (المائدة: 67)، فانّ الجوّ السائد كان أنذاك هو سيادة قريش على القبائل الأخرى، وكما هو واضح أنّ قلوب قريش كانت ترفض خلافة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، لقتله كبارهم في حرب بدر وأحد وغيرها، ولدوره الكبير في كسر شوكتهم في حرب الأحزاب.

والأمر الآخر هو أنّ كل قبيلة كانت تبعاً لرئيسها، فلم يكن لأحد مجال لإبداء الرأي، وكان الإذعان من قبل رؤساء القبائل بكون الخلافة بالنصّ يسدّ الباب بوجوههم ويحرمهم من الزعامة في المستقبل، فلهذا اتفقت كلمتهم على أن لا تكون الخلافة بالنصّ ليكون لهم حصّة فيها فيما بعد.

مجال تأويل حديث الغدير:

كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم بما تنطوي عليه نفوس المعارضين لخلافة عليّ (عليه السلام) ، ولهذا حاول في يوم الغدير أن لايترك مجالا لمن في قلوبهم مرضٌ فيؤولوا الحديث حسب أهوائهم، ولاسيما في كلمة (المولى) التي تشتمل على معان متعدّدة: من قبيل المحبّ والناصر وغير ذلك.

فأورد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) القرينة في كلامه ليحدّد المعنى الذي يقصده من هذه الكلمة، فقال: " ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم "، فلما شهدوا له بذلك، قال: " من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه "، ليثبت أنّ عليّاً (عليه السلام) أولى بالتصرف في أُمور الناس من بعده.

وقد فهم الصحابة ذلك من دون تكلّف وعناء، فأسرعوا يسلمون عليه بأمرة المؤمنين، وأقرّوا بذلك جميعاً!.

وورد أنّه قيل لعمر: " إنّك تصنع بعليّ شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: إنّه مولاي "(9)، وروي أيضاً أنّه قال: " هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن "(10).

وبهذا هدى الله الأُمة إلى الحقّ، ثم جعلهم بين أمرين إمّا شاكراً وإمّا كفورا، وقد قال الله عزّوجلّ لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل: (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر) (الغاشية: 22)، فكان هذا الأمر إختباراً إلهياً لهذه الأُمة لكنها فشلت فيه فتفرّقت واختلفت وقد أنبأ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك من قبل وحذرهم من الاختلاف(11).

كلام الغزّالي حول حديث الغدير:

قد أفصح الغزالي عن الحقيقة عند ذكره خبر غدير خم في كتابه " سر العالمين "، فقال في المقالة الرابعة مالفظه:

" وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم غدير خم باتفاق الجميع، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " من كنت مولاه فعليّ مولاه "، فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مولى.

فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى بحبّ الرياسة، وحمل عمود الخلافة وعقود النبوّة، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات وإشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار، وسقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأوّل، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا "(12).

مواجهة التيار الاجتماعي بعد الاستبصار:

ومن خلال هذه النتائج تجلّت للأخ سالم هذه الحقيقة التاريخية المهمة التي لم يكن يعلمها من قبل.

فيقول الأخ سالم: " حينما تبيّنت لي هذه الحقائق بالأدلّة والبراهين القاطعة، ذهبت إلى زملائي والسعادة تملأ قلبي لأني سأبث البشرى لهم وأدلّهم على طريق الحقّ.

ولكن بكل أسى جاءت ردود فعلهم قاسية جدّاً، فهجرني بعضهم كما أنّ أستاذي الذي كان يكره الشيعة نهرني ولم يسمح لي بالحوار والتفاهم معه، فتألمت لتعامله الغليظ كثيراً، ولم يكن حزني لحرماني من الاتصال به، بل كان لإعراضه عن الأدلّة والبراهين، ولسلوكه السلبي وهو في موقع التربية والتدريس في الثانوية ".

لكن هذا الأمر لم يثن الأخ سالم عن عزمه، لأنّه بدأ يشعر بالحرّية والاستقلال والثقة بالنفس، ولم يكن كالسابق تبع لهذا وذاك، بل أصبح يمتلك الدليل والبرهان الذي يمنحه القوّة الذاتية للصمود والتحدي أمام التيارات المعاكسة.

كما أنّ ارتكاز معتقداته على الاُسس المتينة جعلته غير متهيّب من صعوبة الطريق ووعورته.

فيضيف الأخ سالم: " بعد البحث والدراسة تبيّن لي أنّ جميع الافتراءات التي كانت تلقى بين أوساطنا على الشيعة هي كذب وبهتان وافتراء، بل أنّ بعض كبارنا كانوا يتعمدون في ذلك ليحجبونا ولينشؤوا أمامنا حاجزاً من النفور والإشمئزاز بيننا وبين أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ".

سبيل التحرّر من البيئة المتخلّفة:

ويقول الأخ سالم أيضاً: " إنني أعتقد أنّ للبيئة تأثيراً كبيراً في بلورة معتقدات الإنسان، ولكن كل فرد يستطيع عبر البحث والدراسات أن يوفّر لنفسه أجواءاً مناسبة ترشده إلى الحقّ، فيعيش فيها ويحافظ على أفكاره الصحيحة، ولاعذر لأحد أن يدّعي عدم الاستطاعة في هذا المجال، بل كل فرد عليه أن يصل إلى معتقده بالأدلّة والبراهين، وهو أمر يتطلّب منه الجهد والمثابرة، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت: 69). (1) أنظر: سنن ابن ماجة باب فضل عليّ (عليه السلام) : 1 / 54 (116)، مسند أحمد: 4 / 281، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، وقد ذكر العلامة الأميني في الجزء الأوّل من موسوعة الغدير معظم مصادر أبناء العامة في هذا المجال فراجع. (2) أنظر: الدر المنثور للسيوطي: 3 / 19، تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 289 (4392)، تاريخ ابن عساكر: 42 / 237، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 157 (211) 1 / 192 (249)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1 / 17، البداية والنهاية لابن كثير (حوادث سنه 10 هـ): 5 / 152، روح المعاني للآلوسي: 3 / 359، فتح القدير للشوكاني: 2 / 60، كشف الغمّة للأربلي: 94، العمدة لابن بطريق: 146 (141)، أسباب النزول للواحدي: 204 (403)، التفسير الكبير للرازي: 4 / 401، فرائد السمطين للجويني: 1 / 158 (120)، عمدة القاري للعيني: 18 / 277، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 359. (3) أنظر: شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 157 (211 ـ 213)، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152، وقد مرّ. (4) أنظر: أسد الغابة لابن الأثير: 4 / 28، تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 289 (4392)، الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 110 عن الدارقطني، مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: 19 (24)، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36، ومصادر اُخرى. (5) أنظر: تاريخ ابن عساكر: 42 / 233، مناقب عليّ لابن المغازلي: 18 (24)، المناقب للخوارزمي: 156 (183)، شواهد التنزيل للحسكاني:1 / 158 (213)، سر العالمين لابن حامد الغزالي: 453، فرائد السمطين للجويني: 1 / 77 (44). (6) أنظر: تاريخ ابن عساكر: 42 / 222، مسند أحمد: 4 / 281، الفصول المهمة لابن الصباغ: 42، ذخائر العقبى للطبري: 67، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 596 (1016)، تفسير الكبير للفخر الرازي: 4 / 401، مشكاة المصابيح للتبريزي كتاب المناقب: 1723 (6103)، الرياض النضرة للطبري: 2 / 109 (1338)، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152، كنز العمال: 13 / 134 (36420). (7) أنظر: المناقب للخوارزمي: 156 (152)، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 39، كفاية الطالب للكنجي: 64 باب 1، فرائد السمطين للجويني: 1 / 73 (39)، نظم درر السمطين للزرندي: 112، أسد الغابة لابن الأثير: 2 / 4. (8) أنظر: تفسير الكشف والبيان للثعلبي: 10 / 34، سورة المعارج، شواهد التنزيل للحسكاني: 2 / 287 (1031 ـ 1034)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 18 / 181، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 37، فرائد السمطين للجويني: 1 / 82 (63)، نظم درر السمطين للزرندي: 93، الفصول المهمة لابن الصباغ: 42، السيرة الحلبية للحلبي: 3 / 337، نور الابصار للشبلنجي: 119، فيض القدير للمناوي: 6 / 218، وغيرها. (9) أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 110، عن الدار قطني. (10) أنظر: ذخائر العقبى للطبري: 68. (11) أنظر: صحيح البخاري: 3 / 1274 (2369)، 6 / 2669 (6888 ـ 6889). (12) مجموعة رسائل الغزّالي (سر العالمين) المقالة الرابعة باب في ترتيب الخلافة والمملكة: 453، ونقلها قاضي القضاة الشيخ محمّد مرعي الأمين الانطاكي في كتابة لماذا اخترت مذهب الشيعة: 174، 175.