حافظ محمد سعيد
حافظ محمد سعيد
ولد عام 1972م بمدينة " كانو " في نيجيريا، درس في المدرسة الدينيّة لأبناء العامة على المذهب المالكي.
اعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1990م في مسقط رأسه على اثر مطارحات عقائديّة وتاريخيّة ودراسة متأنية لمذهب الشيعة الإماميّة.
التعرّف على الشيعة:
يقول الأخ حافظ: " لم نكن نعرف الكثير عن الشيعة والتشيّع في بلدنا بالرغم من أنّه يعج بالعديد من الطوائف والفرق الإسلاميّة، والأمر الذي جعلنا نلتفت إلى هذه الطائفة، هو قيام الثورة الإسلامة في " إيران " ـ بجهود وسعي علماء الشيعة ـ فتوجهت الأنظار نحو هذا البلد، وأخذ الناس يتحدّثون عن الشيعة وعن تاريخ نشأتهم ودورهم في مسار الأمة الإسلاميّة، ولكن بشكل ضبابي وغير دقيق، ومن ذلك الحين بدأ التشيّع يتّسع في الساحة الافريقية عموماً وفي " نيجيريا " على وجه الخصوص.
فأخذتُ أتردّد على بعض أماكن الشيعة اللبنانيين، إذ كانت لهم مراسيم إضافة إلى صلاة الجماعة والمحاضرات التوجيهيّة، متمثّلة بالدعاء ـ وهو مانفقده ـ فكنت أحضر معهم في ليالي الجمع لقراءة دعاء كميل، فوجدته دعاء عالي المضامين، يتجلّى فيه التوحيد الخالص، ويحصل فيه للمؤمن الانقطاع التام إلى الله، والتوكّل الحقيقي عليه، والتعلّق العجيب به سبحانه، فراق لي الأمر فأكثرت من التردّد عليهم، حتى نشأت علاقة طيبة بيني وبينهم، فأهدوني بعض الكتب الشيعيّة.
مشكلة الفراغ العقائدي:
وبالرغم من انتمائي لإحدى المدارس الدينيّة وجدت نفسي غير قادر على استيعاب محتويات هذه الكتب ـ رغم بساطة طرحها ـ لأنّنا في الحقيقة لم ندرس سوى الفقه، ولم يكن لنا إلمام بالعقائد أو التاريخ أو...
فازدحمت في ذهني الأسئلة والاستفسارات، وقلت في نفسي: أين نحن من هذا التراث الضخم لهذه الطائفة؟! ثمّ لماذا نحن مبعدون عما في بعض كتبنا؟! ولم يكن أمامي سوى الشيعة لأسألهم عمّا في هذه الكتب.
ولحسن الحظّ كانت علاقتي بأحّد الأخوة اللبنانيين وطيدة، وكنت معجباً به لسعة ثقافته وحسن أخلاقه، فطلبت منه العون فيما كان غامضاً عليَّ، وبدأت أبحث معه في الأمور الخلافية بين الفريقين والتي يقرّ بها أبناء العامة أنفسهم.
وقد كانت كتب الفخر الرازي والسيوطي لا سيّما تفسيره الدرّ المنثور، وينابيع المودّة للقندوزي الحنفي، والإمامة والسياسة لابن قتيبة و... فضلا عن الصحاح، المرجع الذي أعود إليه في تأييد أو معارضة كلامه ".
أضواء على غدير خم:
يضيف الأخ حافظ: " وبمرور الزمان تجلّت لي الحقائق لا سيما عند خوضنا لقضيّة الغدير، وكيف أنّ الصحابة وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وكذا نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد هنّؤوا الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين! ".
فقضيّة غدير خم من الأمور المسلّمة والمتواترة عند عامة المسلمين، ومفادها: أنّ الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قضى مناسك الحجّ في العام العاشر من الهجرة وانصرف راجعاً إلى المدينة تصحبه الجموع ـ المكوّنة من عشرات الألوف ـ وعامة المهاجرين والأنصار ونساء النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ، وصل إلى غدير ماء في الجحفة يقال له خم، فأمر المسلمين بحطّ رحالهم والإقامة حتى نودي بالصلاة جامعة ـ صلاة الظهر ـ وكان ذلك في الثامن عشر من ذي الحجّة، حيث الحرّ شديد حتّى أنّ الرجل يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه، وما إن إنتهى (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاة قام خطيباً على منبر صنع من حدوج الإبل، رافعاً صوته... إلى أنّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ورفعها ـ فرؤي بياض ابطيهما ـ وقد عرفه الحاضرون بأجمعهم، فقال: "... إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، ثمّ قال: اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره وأخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.
ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل الأمين جبريل بقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (المائدة: 3)، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي ".
رواة حديث الغدير:
إنّ هذه الحادثة يرويها جمع من الصحابة: كأبي هريرة الدوسي، واُبي بن كعب الأنصاري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري، وحسان بن ثابت، وخالد بن الوليد، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم كثير(1).
وروته زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة وأمّ سلمة.
ومن التابعين (84) شخصاً، منهم: الزهري المدني، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي، وغيرهم(2).
ومن الرواة العلماء والحفّاظ (360) عالماً من علماء القرون المختلفة، كأبي عبد الرحيم خالد بن يزيد الجمحي المصري، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التميمي، والحافظ سفيان بن سعيد الثوري، وإمام الشافعيّة أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي، وإمام الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وعبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينوري وغيرهم(3).
وفوق هذا وذاك فإنّ من رواة حديث الغدير الشيخان نفسهما(4)!!
فقد أخرج ابن المغازلي في المناقب بطريقين، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " من كنت مولاه فعليّ مولاه "(5).
وورد في (مودة القربى) لشهاب الدين الهمداني ـ الذي يقول في حقّة القندوزي الحنفي: "... الولي الكامل وصاحب الكشف والكرامات، زبدة السادات، وقدوة العارفين، مولانا ومقتدانا مير سيّد عليّ بن شهاب الهمداني قدّس الله أسراره ووهب لنا بركاته وأنواره "(6) ـ عن عمر بن الخطّاب، قال: "نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً علماً، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وأخذل من خذله وأنصر من نصره، اللهمّ أنت شهيدي عليهم.
قال عمر: يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيّب الريح، قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله عقداً لا يحلّه إلاّ منافق! فأخذ رسول الله بيدي فقال: يا عمر انّه ليس من ولد آدم، لكنّه جبرائيل أراد أن يؤكّد عليكم ما قلته في عليّ "(7).
هذا بالاضافة إلى مصادر أخرى ذكرت رواية عمر لحديث الغدير(8).
تهنئة الشيخين للإمام عليّ (عليه السلام) في غدير خمّ:
قد ذكر أئمة الحديث والتفسير والتاريخ من أبناء العامة تهنئة الشيخين للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، إضافةً إلى ذكرهم تهنئة عامّة المهاجرين والأنصار وزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبقيّة المسلمين والتسليم عليه (عليه السلام) بإمرة المؤمنين.
فقد أخرج ابن جرير الطبري في كتاب (الولاية) حديثاً بإسناده عن زيد ابن أرقم، في آخره أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " معاشر النّاس قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا، وميثاقاً بألسنتنا، وصفقة بأيدينا، نؤديه إلى أولادنا وأهالينا لانبغي بذلك بدلا، وأنت شهيد علينا، وكفى بالله شهيداً.
قولوا: ما قلت لكم، وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (الأعراف: 43)، فانّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح: 10)، قولوا ما يرضي الله عنكم فـ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) (الزمر: 7).
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا، على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أوّل من صافق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّاً: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزّبير وباقي المهاجرين والأنصار وباقي النّاس إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد، وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً "(9).
وقال المؤرّخ ابن خاوند شاه في (روضة الصفا) ما ترجمته: " ثمّ جلس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في خيمة تختصّ به، وأمر أمير المؤمنين عليّاً [ (عليه السلام) ] أن يجلس في خيمة أخرى، وأمر إطباق الناس بأن يهنئوا عليّاً في خيمته.
ولمّا فرغ الناس عن التهنئة له أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمّهات المؤمنين بأن يسرن إليه ويهنّئنه ففعلن، وممّن هنّأه من الصحابة عمر بن الخطّاب، فقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى جميع المؤمنين والمؤمنات "(10).
كما نقل تهنئة الشيخين الرواة من أئمّة الحديث والتفسير والتاريخ من أهل العامة، بين راو ومرسل له إرسال المسلمات، وبين راو إياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة، ومنهم:
1 ـ الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة.
2 ـ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل.
3 ـ الحافظ محمّد بن جرير الطبري.
4 ـ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي.
5 ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
6 ـ نور الدين بن الصبّاغ المالكي.
7 ـ جلال الدين السيوطي.
هذا بالاضافة إلى عشرات الأساطين من أصحاب المصنفات(11).
الاهتداء إلى المحجّة البيضاء:
ومن هذا المنطلق يقول الأخ حافظ: " كان لإحاطتي بواقعة الغدير دور كبير لمعرفة الحقائق المرتبطة بالتاريخ الإسلامي، والمسار الذي سار عليه المسلمون، ولذلك انتهى بهم الأمر إلى الحالة المأساوية التي تخبّطوا فيها نتيجة وقوع زمام الحكم بيد الأمراء الذين استعبدوهم واستضعفوا الشعوب، فغيّروا ماغيّروا من أحكام ومفاهيم الإسلام ليميتوا بذلك روحه، وليجعلوه مجرّد طقوس دينيّة فارغة من روح العزّ والشموخ والإرادة التي يزرعها الإسلام في نفوس منتمية، وليحوّلوا بذلك المسلمين إلى أمّة مستضعفة يسيّروها حيثما شاؤوا وليتركوها إلى من بعدهم لتكون لعبة بيد الجبابرة والظلمة ".
ويضيف: " فلم تجعل لي حادثة الغدير ـ التي أقرّ بها أبناء العامة أنفسهم ـ أيّ عذر، بل قطعت عليَّ الطريق، وأوجبت عليَّ اتّباع نهج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ونهج الأئمة الهداة من بنيه (عليهم السلام) ، فسلكته وأنا على بيّنة من أمري والحمد لله ربّ العالمين، وكان ذلك في عام 1995م في مدينة " كانو " النيجيرية ". (1) لقد أحصى العلاّمة الأميني في كتابه (110) صحابي رووا هذا الحديث، أنظر: الغدير: 1 / 41 ـ 144. (2) أنظر: الغدير للأميني: 1 / 145 ـ 165. (3) أنظر: الغدير للأميني: 1 / 167 ـ 311. (4) أنظر: كتاب الولاية لابن عقدة: ح 1، رسالة طرق حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه للحافظ الذهبي، أسنى المطالب للجزري: 48، مناقب عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) لابن المغازلي: 27 (39). (5) مناقب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : 22 (31). (6) أنظر: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 2 / 255. (7) مودّة القربى للهمداني: المودّة الخامسة. (8) أنظر الرياض النضرة للطبري: 2 / 109 (339)، مسند أحمد بن حنبل: 4 / 281، ذخائر العقبى للطبري: 67، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: 1 / 48، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152. (9) أنظر: الغدير للأميني: 1 / 508، نقلاً عن كتاب الولاية لابن جرير الطبري، وهذا الكتاب ذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب، وكذا ابن كثير في البداية والنهاية، ونقل عنه الذهبي الكثير من الروايات في رسالته (طرق حديث من كنت مولاه). (10) تاريخ روضة الصفا: 2 / 541، وأنظر: الغدير للأميني: 1 / 509. (11) أنظر: الغدير للأميني: 1 / 510 ـ 527.